أنا لا أقصد بالسلبية سلوك أولئك المتشائمين الذين يركزون في تحليلاتهم على الجانب المظلم من الحياة، بل أقصد تلك الفئة من الناس الذين يشاركوننا الحياة بحلوها ومرها ويرغبون في أن تتغير هذه الحياة إلى الأحسن، لكنهم لا يساهمون بتغيير نمط هذه الحياة، وكأنهم لم يمروا على الآية الكريمة «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ».
فالإنسان السلبي يقف على طرف النقيض من مبدأ «كل مواطن خفير»، فلا يريد أن يشركه الآخرون في حل أي مشكلة، هو يريد أن يترك في حال سبيله، وإذا ما أشرك بطريق غير مباشر لا تستطيع أن تأخذ منه حقا ولا باطلا، بل وجدته مردداً «الحمدلله الذي لا يحمد على مكروه سواه» ولا شيء غير ذلك، هم مثلنا يرون كيف أن المشاكل، وخصوصاً الاجتماعية منها، تكبر بتفاعلها وتتعقد لدرجة أنها قد تؤثر على استمرارية الحياة بين أفراد أسرة من الأسر أو فئة من المجتمع، ولكنهم لا يساهمون في إيجاد الحلول المناسبة لها، رغم قدرتهم الفائقة على إيجاد حلول ناجعة لها، فيستمر الوضع المتردي في المجتمع على ما هو عليه لتلقي بظلالها الملوثة على بقية أفراد الأسرة أو المجتمع.
كيف تنشأ السلبية في المجتمع؟ ومن المسؤول عن نشأتها من الأساس؟ مظاهر السلبية في أي مجتمع لا تحتاج إلى ميكروسكوب لرؤيتها بوضوح، فهي ماثلة أمامنا في كثير من مناحي الحياة اليومية، فقد يصادف أحد السلبيين تجاوز أحد المستهترين إشارة حمراء، وكان بإمكانه أن يلتقط رقم لوحة السيارة المتجاوزة، لكنه لا يتصرف حسب ما تتطلبه المواطنة الصالحة، لأنه يخاف من ارتدادات هذا السلوك المتحضر، فقد يستدعى إلى مخفر الشرطة لمواجهة المخالف، وقد يكتشف أن المخالف أحد أقربائه، أو أن يكون المخالف أحد الذين يتعاطون المخدرات، أو مختلاً عقلياً أطلقت حريته على الطرقات، ناهيك عن السين وجيم والوقت الضائع في إثبات مخالفة كان يفترض أن تثبتها كاميرات الطرق أو أحد رجال الأمن، ليصل أي مواطن صالح إلى السؤال الأزلي: «أنا شكو بهالطلايب؟»، أو «وانا مالي ومال أهلي؟»، أو «ليش آنا أطلع بالشينة؟»، فيترك في حال سبيلهم كل المخالفين والمتعاطين والمتخلفين عقلياً، إلى جانب الآلاف من مزوري رخص القيادة ليعبثوا بالأمن ويهددوا حياة مستخدمي الطرقات.
والسلبية سلوك مطبق في كل زقاق من أزقة المجتمع وخصوصاً في الإدارات الحكومية، سواء في السكوت عن غياب موظف عن العمل أو عن سوء أداء هذا الموظف حتى لو حضر باكراً إلى عمله، أو تسبب في تعطيل مصالحك، فكل ما نمارسه لحل مشاكلنا مع المهملين من موظفي الحكومة هو «التحلطم» أو بث الشكوى اللفظية، معتقدين أن هذا الموظف لم يصبح مهملاً في أداء واجباته الوظيفية إلا لأنه مسنود من شخصية مرموقة في الوزارة أو خارجها أو أنه مجنون، فيقول السلبي لنفسه: وما فائدة الشكوى إذا كان هذا الموظف المهمل «واصلا»؟ وقد يتسبب في عرقلة معاملتي أو إضاعتها أو تأخيرها، فلماذا أقحم نفسي بهذه المصيبة؟
والسلبية موجودة بل متعششة في كل أسرة، حتى في أسرتك أنت أيها القارئ العزيز، على أساس أنه لا توجد أسرة كاملة بالفضائل، فقد يواجه أحد أفراد أسرتك مشكلة مع فرد آخر فيها، وقد يلجأ إليك بحثاً عن حل يرضي الطرفين، ولكن سلبيتك تمنعك من طرح حل يرضيه، وقد تمنعك من إسداء النصيحة خوفاً من أن ترضي طرفاً على حساب طرف آخر، فتقول في نفسك: «آنا شنو لي بهالطلايب؟»، دون أن تدري أن هذا السلوك السلبي قد يكون قاتلاً لأحد أفراد أسرتك، إن لم يكن قاتلاً للاثنين.