كيف تُقرأ الأقدار؟ أم كيف نفهمها؟

نشر في 05-07-2024
آخر تحديث 04-07-2024 | 18:49
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

نحن كمسلمين نؤمن بحكمة الله المبهرة في تدبير أمورنا، ونعلم أنه إن أراد شيئا هيّأ له أسبابه، وأن كل أمر المسلم له خير «إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ»، والمؤمن أدرى بحال نفسه، إن كانت مصيبته اختبارا لصبره وإيمانه ورفعا لدرجاته، أم هي عقوبة دنيوية، أو هزّة إلهية للرجوع والتوبة «وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ».

إن قصة موسى والخضر عليهما السلام، من أروع القصص التي تفسّر لنا تأويل أكثر الأقدار، وهي تتمثل بقصة السفينة والغلام والجدار، وشاهدنا في القصة كيف تتناقض مجريات الأقدار مع المنطق البشري، وعرفنا لماذا أساء الخضر للمحسنين! وأحسن للمسيئين! وفهمنا كيف خبّأت الجريمة القاسية رحمة عظيمة!

أما قصة خرق السفينة، فتفسر لنا مفهوم العيب أو النقص الذي يطيل بقاء النعمة، فقد يكون العيب الظاهر في بيتك أو ممتلكاتك هو سبب بقائها، وينطبق ذلك على البشر أيضا، فقد يكون النقص الذي في مظهرك أو شخصيتك أو صحتك هو سبب بقائك، أو كما يقولون سبب «رد العين»، فقد يكون هذا الكمال العام في «نظر الناس» سبب طمعهم بكَ أو بكِ، أو قد يكون سببا في معاداتك الدائمة أو طردك من مكانك «اقتُلوا يوسُفَ أَوِ اطرَحوهُ أَرضًا»، أو إصابتك بعينٍ قاتلة، فقد تخسر كل شيء بسبب أنك تملك كل شيء «بعين حاسدك»، أو حتى «بعين نفسك» الميّالة للتعالي والغرور «كَلّا إِنَّ الإِنسانَ لَيَطغى* أن رَآهُ استَغنى».

وأما قصة قتل الغلام فتخبرنا أن فقد أي نعمة غالية لا يعني نهاية المطاف، فقد يكون وراءها نعمة أغلى، أو حفظ لنعمة أعظم، وعادة ما تكون المصائب المفجعة قاسية وثقيلة على أهل المُصاب، لأنها تأتي بغتة كفقد الحبيب أو خسارة المال بالكامل أو انتكاسة صحية أو سلب حرية، وقد يكون ظاهر الخسارة عظيماً ولا يطيقه أحد، ولكنه يُخفي في طيّاته رحمة ولطفا، فقد كان في مستقبل ذاك الغلام البريء طاغوت متمرد، سيكون مصدر بأس وشقاء على أبويه، ويُختم له بدخول جهنم! فهل يوجد أوجع من خسارة الابن الأبدية، إن كان الأب في الجنة وابنه في النار، وقيل إنه سيفْتِن إيمان أبويه، ويقودهما إلى الجحيم، لحبهما الشديد له واتباعهما إياه، ولهذا نستعيذ من المصيبة في الدين، أو أن نتعلّق بشيء يكون سببا في هلاكنا، «وَالفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتلِ».

وأما قصة الجدار فتفسر لنا أسباب تأخّر الرزق أو صعوبة نيله، فقد يتأخر الرزق في المال أو الزواج أو الخلفة أو الوظيفة، بسبب عدم استعدادنا الكافي أو نضجنا الشخصي أو النفسي أو المعرفي، إذا كان مكتوبا لنا وفيه خير، لكنه حتما سيأتي، لأنه مكنوز لنا تحت الجدار، وقد يتأخر علينا ليأتي صافيا، بكامل زينته وخيره، أو في وقته المناسب.

back to top