التابو الاقتصادي والحلول المسكوت عنها... ما لم تنطق به وزارة المالية!
استمعت الى المقابلة التي أجراها تلفزيون الكويت مساء الأربعاء مع وزير المالية ووكيلة وزارة المالية السيدة أسيل المنيفي والوكيل المساعد لشؤون الميزانية سعد العلاطي، وتم التطرق الى مكونات الميزانية العامة وآليات تقديرها وإلى أوجه الخلل في الموازنة العامة وارتكازها على مصدر وحيد للدخل هو النفط، مما يستوجب البدء بالإصلاح المالي والاقتصادي لترشيد الإنفاق وتجنب الهدر وتنويع مصادر الدخل.
ولكن ما يثير الاستغراب هو عدم تطرق الوزير وأركان وزارة المالية إلى الخلل الذي يمثله بند الرواتب والأجور والبالغ 14.8 ملياراً، وبلهجة قاطعة أكدوا أن هذا بند حتمي الصرف، وأنه لا يُمسّ فهو أشبه بالتابو الديني في الوقت الذي يعدّ هذا البند أم المشاكل، وهو كرة الثلج الشرِهَة التي تكبر فتلتهم كل الإيرادات النفطية، حيث تدفع الرواتب والأجور لبطالة مقنعة تصل الى 80% مما يبلغ الهدر معه 11.8 مليار دينار، أما الدعوم والبالغة 4.668 مليارات فهي الأخرى تابو آخر لا يمس إلا في حدود إعمال مبدأ العدالة بحيث يتم دعم المحتاج للدعم.
وهنا سننتهك حرمة هذه التابوهات ونفكك المشكلة فبند المرتبات والأجور حله يكمن في خصخصة القطاع الإنتاجي من صحة وتعليم وكهرباء وماء ومواصلات واتصالات وبريد وموانئ، والذي سينتج عنه فائض من العمالة الوطنية، والدولة هنا لابد أن تفرض التكويت على القطاع الخاص ليهضم هذه العمالة سواء بفرض نسبة معينة أو قائمة بالوظائف التي لا يشغلها إلا المواطنون، واقترحنا أن تقدم الدولة دعما اقتصاديا للعمالة الوطنية موحدا يبلغ 600 دينار شهريا مع توزيع مليار ونصف من ارباح الصناديق السيادية سنويا للحفاظ على الرفاه على أن تصرف شهريا فيكون نصيب الفرد الشهري 83 ديناراً، أما الدعوم فيتم توزيعها نقداً بواقع مليار ونصف سنويا على المواطنين نقدا وتصرف شهريا بقيمة 83 دينار لمواجهة ارتفاع الوقود والكهرباء بعد الخصخصة، فبهذا يكون راتب المواطن الذي بلا شهادة في وظيفة أجرها 350 ديناراً شهريا، ويكون مجموع مرتبه الشهري 1116 دينارا، أما إن كان هذا المواطن متزوجا وله ثلاثة أبناء فإن مجمل مرتبه 1780 ديناراً، هذا أدنى حد للأجور، مع إبقاء بعض الدعوم طبعاً، انظروا كيف زادت الرواتب مع تحقيق الوفورات وجودة الخدمات وتوافر السكن كما سيأتي.
والدولة بعد الخصخصة ستحقق وفورات هائلة قد تصل الى 9 مليارات وستعالج البطالة المقنعة وترتقي فيها جودة الخدمات كافة وتنغرس العمالة الوطنية في بيئة القطاع الخاص المتطور والمنضبط.
أما الإصلاح الاقتصادي فلا ينحصر في إعادة تسعير أراضي الدولة وبالأخص القسائم الصناعية والخدمية والحرفية وليس في استثمار جزيرة فيلكا فقط كما ذكر الوزير، مع أهمية ذلك فهناك الساحل البالغ طوله 325 كيلو متراً هو الأثمن، فبدل أن تستلقي على شواطئه شاليهات لأشخاص يجب أن تحتضن هذه السواحل مشاريع سياحية ترويحية صغيرة ومتوسطة وكبيرة، فهذه الأعمال هي من يستوعب العمالة بنسبة 60% كما يجب أن تُنشأ المدن الإسكانية بالقرب منها على شكل شقق فخمة مطلة على البحر وقريبة منه كالتي صممها ونفذها بنجاح وزير الإسكان الأسبق السيد بدر الحميدي، أطال الله في عمره، غرب الدوحة، وإذا استفدنا من التجربة الإسكانية في المملكة العربية السعودية فإننا سنبني 100 ألف وحدة سكنية في مدن إسكانية متطورة وتدفع الدولة تكاليف مبالغ إصلاح الأراضي والبنية التحتية فقط، وتدفع الدعم للمواطن المستحق كما اقترحناه 21 ألف دينار لشركات التطوير العقاري للوحدة السكنية، وبقسط شهري 190 ديناراً، إذا كانت قيمة الوحدة السكنية 70 ألفاً، وبهذا تكون القيمة المقدرة لـ100 ألف وحدة سكنية بقيمة 4 مليارات دينار بدل القيمة الحالية 10 مليارات، (راجع مقالنا بتاريخ 2024/5/17) وستوفر الدولة بهذا دعوم بدل الإيجار بقيمة 300 مليون.
هذه مساحة من اللا مُفكَّر فيه تقع خارج الصندوق، لا حلّ للمأزم الاقتصادي إلا بارتيادها وإقلاق راحة الحلول الناعسة فيها.