الأوطان لا تباع
ابتلي الشعب الفلسطيني كما لم يبتل شعبٌ آخر في التاريخ، لدرجة اتهامه ببيع أرضه لأعدائه من الصهاينة! وهذه تهمة لم نسمع أن اتهم بها شعب غير هذا الشعب المغلوب على أمره.
كيف يمكن القبول بهذا المنطق الساذج، كيف يبيع شعب ما أرضه ثم ينتفض ويثور مخاطراً بالنفس والنفيس ليسترد ما باعه؟!
يؤكد التاريخ بالشواهد أن سلطات الانتداب (الاحتلال) البريطانية سلمت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية بعد اغتصابها من الفلاحين الغلابة المثقلين بالضرائب الفادحة والمرهقين بالديون العقارية إلى الشركات اليهودية مؤجرة عليهم بعقود تمتد لما بين 50 –100 عام، مع إعفاء تلك الشركات من الجمارك والضرائب.
يعترف الصهاينة بأن مجموع ما انتقل لملكيتهم من الأراضي حتى عام 1948م هو 6.8% من مساحة فلسطين، وهذه الـ6%من الأراضي ساهمت سلطات الانتداب بنقل ملكيتها لليهود، بل إن الوكالة اليهودية تعترف بأنها أخذت (218) ألف دونم من حكومة الانتداب مباشرة، ويذكر المؤرخون أنه عام 1945م اغتصبت الحركة الصهيونية (15) ألف دونم في مدينة طولكرم رغم أن سلطات الانتداب أعلنتها منطقة غابات!
لم تكتف سلطات الانتداب بذلك فحسب، حيث سلّموا للصهاينة (120) ألف دونم من أراضي البطريركية رغم احتجاج بابا الفاتيكان إلى عصبة الأمم المتحدة المنحازة للصهيونية، كما صادرت سلطات الانتداب (100) ألف دونم من أراضي الأوقاف الإسلامية وسلمتها للبارون روتشيلد، مما تسبب في ثورة البراق 1929م، وبحسب أرقام المصادر اليهودية فإن ما اشتروه من الإقطاعيين الفلسطينيين (261) ألف دونم، أي أقل من 1%من مساحة فلسطين.
ظُلم الشعب الفلسطيني لدرجة أن قضيته تم مناقشتها والمفاوضات حولها حتى دون تمثيله فضلاً عن استفتائه ومشورته في المنظمات والهيئات الدولية، فالقرار المشهور (181) الصادر من الأمم المتحدة حول تقسيم فلسطين منح الصهاينة 57.7 من مساحة فلسطين عام 1948م، مع العلم أنه حسب التشريعات الدولية أنه بعد الانتداب يجب إعادة تسليم البلاد إلى أصحابها الحقيقيين، وباعتبار أن الفلسطينيين كانوا يمثلون 67%من السكان، في حين نسبة اليهود لا تتعدى 33%، والذين كانوا يملكون بالواقع 7%فقط من الأراضي.
بعد مفاوضات «رودس» التي تلت حرب 1948م بين الدول العربية المشاركة بالحرب وبين اليهود، وبتغييب متعمد لصاحب القضية والمتضرر الوحيد فيها! تم حصول الصهاينة على المزيد من الأراضي الفلسطينية بنسبة بلغت 77.4% من مساحة فلسطين! حيث فقد الفلسطينيون ما يزيد على مليون دونم في منطقة المثلث في قضاء طولكرم والنقب.
يقول المفكر والفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي: الدكتاتور هتلر على إجرامه لم يخرق القانون الدولي في هذه مسألة، فهو لم يسكن أي مستوطن ألماني مدني في الأراضي التي طرد منها الفلاحين الفرنسيين.
من الطبيعي أن يفقد الشعب الفلسطيني أراضيه حينما يواجه العصابات الصهيونية منفرداً ومنتزعاً من سلاحه، تُحرق قراه ومدنه مع ساكنيها، وبعد حرب 1948م خرج أكثر من (700) ألف فلسطيني من أراضيهم المقدرة مساحتها بنصف مساحة فلسطين، دون أن تتمكن جيوش ست دول عربية أن تنصرهم وتستعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المهضومة حتى الآن.