المتابع لتفاصيل مشروع مترو الكويت منذ البداية، سيجد أنه دخل في شرباكة اللجان والتبعيات، والدراسات، ولم يستطع الإفلات منها، حيث صدرت عشرات القرارات على مدار الحكومات المتعاقبة، سواء بتشكيل لجان لدراسته واتخاذ اللازم، أو نقل تبعيته من جهة إلى أخرى، ومن وزارة إلى وزارة.
ولعل الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه الحكومات المتعاقبة، وفق ما يراه المراقبون، هو عدم إفساح المجال للقطاع الخاص، الذي كان متشجعاً له منذ البداية لتنفيذه عبر نظام الـ BOT، وتقديم التسهيلات اللازمة له.
نعرض في التقرير التالي أبرز ما مر به مشروع مترو الكويت والقطار الخليجي، حيث البداية كانت في مايو 2004 عندما أكدت وزارة التجارة والصناعة أنها تقدَّمت إلى مجلس الوزراء، آنذاك، بمذكرة تضمنت رغبة القطاع الخاص بتأسيس شركة لخط السكك الحديدية، بهدف إيجاد ربط بين المرافق الرئيسية بالكويت، وقد تعزز هذا التوجه بعدما صدر قرار القمة الخليجية التي عُقدت قبل هذا التاريخ، باعتماد مشروع إنشاء سكك حديدية للقطارات بين دول مجلس التعاون، وكانت تنتظر وزارة التجارة وقتها صدور قرار من مجلس الوزراء بتأسيس الشركة الخاصة للسكك الحديدية.
يونيو 2004
وقد أصدر مجلس الوزراء في يونيو 2004 قراراً يقضي بالموافقة على تأسيس شركة مساهمة كويتية عامة لتسيير القطارات، على أن يتم تحديد نسبة مساهمة الدولة في الشركة بين وزارة التجارة والصناعة ووزارة المواصلات والهيئة العامة للاستثمار.
وبعد صدور القرار ذكرت الهيئة العامة للاستثمار أنه تبيَّن لها أن وزارة المواصلات قطعت شوطاً كبيراً في دراسة مشروع إقامة شبكة سكة حديد تربط بين دول مجلس التعاون الخليجي.
أبريل 2005
وفي أبريل 2005، وجَّهت وزارة التجارة كتاباً إلى مجلس الوزراء أوصت فيه بتكليف الجهة الاستشارية إجراء دراسة جدوى اقتصادية بشأن إنشاء شركة مساهمة كويتية عامة لتسيير القطارات، متضمنة الدراسات التفصيلية المالية والفنية اللازمة يتم من خلالها تحديد مساهمة الدولة في هذه الشركة.
يونيو 2005
وفي 29 يونيو 2005، أصدر مجلس الوزراء قراراً يقضي بالطلب من الهيئة العامة للاستثمار، بالتنسيق مع وزارتي المواصلات والأشغال، تكليف الشركة الكويتية للاستشارات والاستثمار إجراء دراسة حول مشروع إنشاء السكك الحديدية والنقل العام بالقطارات، على أن تتحمَّل وزارة المالية كلفة إجراء الدراسة، وفي الشهر الذي تلاه (مايو 2005)، أصدر مجلس الوزراء قراراً بتشكيل لجنة، برئاسة الهيئة العامة للاستثمار، لدراسة مشروع إنشاء خط السكك الحديدية لتسير القطارات بمشاركة وزارتَي المالية والأشغال العامة.
ديسمبر 2005
وكان ديسمبر 2005 شاهداً على الانتهاء من مسودة الإطار المرجعي لمشروع السكك الحديدية ونظام النقل الجماعي بالقطارات، وتمَّت الإشارة إلى ضرورة النظر بربط مشروع السكك الحديدية ومشروع نظام النقل الجماعي (المترو) ببعضهما، نظراً لمزايا الربط بينهما، من خلال نقاط ارتباط، والتي تؤثر على جدوى أي من المشروعين أو كليهما.
وخاطبت وزارة المواصلات الهيئة العامة للاستثمار في فبراير 2006، بأنها بصدد تشكيل لجنة عُليا، برئاسة وكيل المواصلات، لإعداد وتنفيذ خطط مشروع السكك الحديدية ومترو الأنفاق بالدولة، وطلبت من الهيئة تسمية ممثليها في اللجنة، وجاء رد الهيئة على خطاب «المواصلات» في مارس، بأنه وفقاً لقرار مجلس الوزراء رقم 562 الصادر في مايو 2005 تم تشكيل اللجنة المشتركة للمشروع، وأعدت الدراسة، وكلفت الشركة الاستشارية لبدأ الدراسة، وأنه على «المواصلات» التنسيق مع اللجنة المشتركة.
وفي 23 أبريل 2006 أصدر مجلس الوزراء قراراً نص على إلغاء قراره السابق رقم 562 الصادر في يونيو 2005 بنقل تبعية المشروع إلى وزارة المواصلات، وتكليفها إجراء الدراسة الخاصة بالمشروع بالتعاون مع الجهات المعنية.
وتقدمت وزارة المواصلات للجنة العليا بالجهاز الفني في يونيو 2009 برغبتها بطرح المشروع وفق نظام الشراكة.
وفي يوليو 2009 كلف الجهاز الفني إعداد الدراسات وتأهيل الشركات لطرح مشروعَي السكك الحديدية ومترو الأنفاق وفقاً لنظام الشراكة.
ولم يغب عن الأذهان أن اللجنة المشتركة، وفق الجهاز الفني، وقَّعت في 21 أكتوبر 2010 عقد اختيار مستشار العمليات للقيام بإعداد دراسات جدوى تفصيلية متكاملة للمشروعين (مترو الأنفاق والسكك الحديدية)، تمهيداً لطرحها وفق قانون رقم 7 لسنة 2008، على أن يقوم المستثمر الفائز بإعداد المخططات والتصاميم الهندسية التفصيلية للمشروع.
سبتمبر 2011
وكشف الجهاز الفني لدراسة المشروعات التنموية والمبادرات في 13 سبتمبر 2011 أنه سيتم إعداد مستندات المشروع للاستثمار بعد الانتهاء من دراسة الجدوى، على أن يتم تأسيس شركة مساهمة عامة في عام 2013، ليتم التنفيذ من قِبل المستثمر الفائز والمتوقع تشغيله عام 2020.
وكانت المفاجأة في نوفمبر 2012 عندما تقدَّمت وزارة المواصلات للجنة العليا لتنفيذ المشروع بطلب استرجاع المشروعين، لرغبتها بمراجعة هيكلة تنفيذ المشروع، واختلاف رؤيتها بشأن طريقة الطرح على نظام الشراكة من عدمه، وخاطب الجهاز الفني لدراسة المشروعات التنموية والمبادرات وزارة المواصلات في أبريل 2013 لتحديد موقفها النهائي بشأن رغبتها في استكمال الإجراءات وطرح المشروعات وفقاً لأحكام قانون الشراكة، أو عن طريق المناقصة العامة.
وفي سبتمبر 2013، أعلنت وزارة المالية أنه تم التنسيق مع 13 جهة حكومية لاعتماد مسارات المشروع، وأنه ليس هناك أي تحفظ من قِبل الجهات المعنية على أي من المسارات، لكن بعض المسارات يدخل في مناطق مخصصة وقائمة كمزارع في منطقة الوفرة، وتم التنسيق مع الجهات المعنية لمعالجة الموضوع.
واستمر المشروع في ذات المنوال ودورانه هنا وهناك، حتى طلبت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية في 29 مارس سحب مشروع المترو والسكك الحديدية من وزارة المواصلات، ونقله إلى هيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 473، وباشرت الهيئة اتخاذ المتطلبات وفق قانون رقم 114 لسنة 2014 بشأن الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وتم تحديث الدراسة من قِبل المستشار العالمي في أبريل 2016 وأنجز أعماله، وقدَّم تقريره النهائي، وأصدرت اللجنة العليا بهيئة الشراكة في سبتمبر 2016 قراراً بتشكيل لجنة تكلف باستكمال وتحديث الدراسة من كل جوانبها.
وأصدرت هيئة الشراكة قراراً في 26 يناير، بتشكيل لجنة المنافسة لمشروع أنظمة النقل السريع (مترو الكويت)، وتحديث الدراسة، واقتراح النظام الأمثل لتنفيذه.
المخطط الهيكلي الرابع
وانتهت اللجنة بعد اجتماعها مع مستشار المخطط الهيكلي الرابع 2040 إلى نتيجة عدم جدوى تحديث آخر لدراسة الجدوى الحالية لمشروع المترو، وأن تحديثها غير مجدٍ لسببين رئيسيين؛ الأول أن الدراسة أُعدت من قِبل تحالف مستشارين وفق القانون رقم 7 لسنة 2008، والثاني أن التصميم لشبكة المترو اعتمد على دراسات مرورية مضى عليها فترة زمنية طويلة، ما يستصعب معه تأكيد أن هذا التصميم لايزال يحقق أهداف النقل السريع، الأمر الذي يستوجب إعادة النظر في التصميم وبناء دراسة حديثة وفقاً للتطور المعماري.
وباشرت هيئة الشراكة من يوليو إلى أكتوبر 2017 في مخاطبة إدارة الفتوى والتشريع وجهاز المناقصات ووزارة المالية بشأن التعاقد على طرح تقديم خدمات استشارية لمشروع السكك الحديدية، وتوفير الاعتماد المالي.
وفي نوفمبر 2017 ورد كتاب من الهيئة العامة للطرق والنقل البري إلى هيئة الشراكة يتضمَّن أن هيئة الطرق بصدد مراجعة دراسات الجدوى المبدئية لمشروع شبكة السكك الحديدية.
وفي يناير 2018، خاطبت هيئة الشراكة هيئة الطرق بشأن الرد على كل الاستفسارات، والتأكيد على أن هيئة الشراكة بانتظار رد هيئة الطرق لطرح مشروع الخدمات الاستشارية، وكلفت الأمانة العامة لمجلس الوزراء هيئة الطرق في فبراير 2019 التنسيق مع الجهات المعنية لإعداد تقرير كامل يتضمَّن خطة زمنية لمشروع السكك الحديدية وكل التصورات، وموافاتها خلال أسبوعين بالتصورات الكاملة.
وفي 15 يوليو 2020، عقدت هيئة الشراكة مع أمانة مجلس الوزراء اجتماعاً، لمناقشة مذكرة هيئة الطرق بشأن العوائق التي تعترض الطريق الإقليمي الشمالي والجنوبي، ومسار السكك الحديدية، ومراحل الخطة التنفيذية للمشروع.
وفي 20 يوليو 2020، أصدر مجلس الوزراء القرار رقم 914 بتشكيل لجنة برئاسة الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية لتتولى مهام الإشراف على المشروع وإنشاء وتنفيذ السكة الحديدية في البلاد، والمتابعة مع الجهات ذات العلاقة، وبيان الجدوى المترتبة على تنفيذه.
وبعد توضيح حلقة البيروقراطية التي عاشها مشروع مترو الكويت منذ 2004، حرَّك مجلس الوزراء في اجتماعاته التي عقدها أخيراً مياه المشروعين الراكدة، وتتجه الأنظار نحوه للإذن بخروج القطار من محطة الإهمال هذه التي توقف فيها لأكثر من 20 عاماً، والسير في طريق التنفيذ الفعلي لمشروع يعلِّق الجميع الآمال عليه في حل الأزمة المرورية بالكويت.
«المحاسبة»: إيقاف المشروع ترتب عليه هدر في المال العام
في الوقت الذي أصدرت اللجنة العليا لهيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، التي تتولى اختصاصات مجلس إدارة الهيئة، قراراً بإلغاء مشروع أنظمة النقل السريع- مترو الكويت في 2022، تكبّد المال العام أعباء إدارية ومالية بـ 2.152 مليون دينار، وفقاً لتقرير ديوان المحاسبة الذي كشف أن كثرة الإجراءات والاجتماعات التي تمت لتنفيذ المشروع وطول المدة الزمنية المستغرقة لدراسته وطرحه ومُضي نحو 10 سنوات، ولايزال بمرحلة الدراسة.
بدورها، كشفت هيئة الشراكة أن قرار الإلغاء جاء بناءً على التوصيات المرفوعة من لجان عدة تم تشكيلها لدراسة وبحث مخرجات دراسات الجدوى، والتي انتهت إلى إعادة المشروع والدراسات المعدة للجهة العامة لتحديث الدراسات والنظر في نظام الطرح، وحيث إنه لم تتم مخاطبة الهيئة منذ 2017 بأي مستجدات تخص المشروع، لذا تم إصدار قرار الإلغاء.
وأوضحت أن المبالغ التي تم صرفها حتمية ناشئة عن عقود استشارية تم إبرامها وفقاً لمتطلبات القانون ولأعمال تم إنجازها، ومن ثم لا توجد ثمة مصروفات أُنفقت من دون الاستفادة منها.