أخطر اختراع بشري بعد القنبلة الذرية هو رابط الدفع الشهير بـ «اللنك»، فهو يأتيك كالجلطة من حيث لا تحتسب، وفي أي زمان ومكان ليضرب رصيدك المصاب بالهزال أساساً، فتلاحقك مضاعفاته الجانبية كالشعور بالألم والإحباط والخوف من تكرار الضربة، حيث لا مهرب أو فرار منه إلا إليه، سواء كان من عدو أو حبيب، فهذا من المصائب المزمنة التي لا ينفع معها العزلة أو الابتعاد عن الناس أو التوقف عن تدخين، ولا يهتم بممارستك للرياضة، ولا يفهم بالطبع اليوغا الهندوسية.

بدأت النقود مرحلة فقدان هيبتها واسترخاص قيمتها مع انتشار أجهزة الصراف الآلي، فبعد أن كان الحصول على مبلغ مالي بسيط يتطلب منك الاستيقاظ المبكر والذهاب للبنك وانتظار الدور وعدّ الأموال والتأكد من هويتك مرتين ثم التوقيع، وكأنك تعقد قرانك، أصبحت الأموال تخرج لنا من الحائط بلا أي استعدادات أو إحساس بأهمية العملية، مما قلل في المقابل من القيمة المعنوية للمبلغ المتسلّم، ثم ضرب اللنك ضربته الكبرى لتصبح الفلوس مجرد أرقام نراها ولا نلمسها أو نشعر بأهميتها، فاستسهلناها رغم الجهد والتعب المبذول في سبيل الحصول عليها، مما ساهم، مع عوامل أخرى، في زيادة التضخم وارتفاع الأسعار والاندفاع وراء السلع والماركات الفاخرة المُبالغ في قيمتها لانعدام الشعور بـ «الأرقام» المدفوعة، فأصبح الفرد مجرد لنك يمشي على قدمين في أعين الشركات وأصحاب الأعمال والدائنين والأعداء «واللي يحب النبي يضرب».

Ad

في منطقة تطفو على محيط من النفط كنت أتأمل في شبابي أن يقال لي يوماً ما «إن الفلوس غيرتك يا فلان»، ولم أتوقع قط أن يأتي اللنك ليبعثر آمالي حتى تكسرت اللنكات على اللنكات، ومعي أحلام وطموحات جيل كامل وأجيال قادمة ستعاني أكثر من جيل النكسة، فالضربة الجوية كانت مرة واحدة، بينما اللنكات ستستمر مدى الحياة، ولن يجرؤ أحد على إيقافها، ليتحول الإنسان مع مرور الوقت وتكرار اللنكات من حيوان ناطق إلى حيوان دافع، فلا يوجد مخلوق سواه منذ زمن هابيل وقابيل يعرف أن يدفع أو يرسل «لنك» لأخيه المغلوب على أمره.

الله كريم.