في مؤشر إلى تصاعد خطر اندلاع صراع واسع بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني رغم تواصل المساعي التي تقودها واشنطن لإيجاد حل دبلوماسي للأوضاع على الحدود الجنوبية للبنان، أوقفت إيران أخيراً رحلات جوية إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، حسبما كشف لـ «الجريدة» مصدر رفيع المستوى في «فيلق القدس»، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني.
وتعليقاً على تقرير صحيفة «تليغراف» البريطانية، الذي أثار بلبلة الشهر الماضي حول استخدام «حزب الله» لمطار بيروت لتخزين أسلحة وهو ما يهدد بكارثة مشابهة لانفجار مرفأ بيروت في حال استهدفت إسرائيل المطار، أبلغ المصدر «الجريدة» أن طهران خفّضت قبل 3 أشهر رحلاتها الجوية إلى بيروت، من أربع رحلات أسبوعياً بواقع رحلتين للطيران الإيراني وطيران ماهان، إلى اثنتين بواقع رحلة لكل منهما، لتخوفها من احتمال استهداف إسرائيل لطائراتها بذريعة أنها تحمل سلاحاً للحزب في حال اندلاع تصعيد عسكري كبير.
ولفت المصدر إلى أنه جرى إرجاع قرار خفض الرحلات إلى الحاجة للطيران لموسم الحج، الذي هو الأول الذي يشارك فيه الإيرانيون بكثافة منذ سنوات، لكن عملياً خلال ذروة موسم الحج لم تكن تصل إلى بيروت سوى رحلة طيران إيرانية واحدة، وبعد تراجع الضغط أبقت طهران الرحلات إلى مطار بيروت منخفضة بواقع رحلتين أسبوعياً.
في السياق نفسه، نفى المصدر صحة التقارير التي تحدثت عن تخزين «حزب الله» أو الحرس الثوري أسلحة في مطار بيروت، مضيفاً أن «الحرس» لا يستخدم المطار الدولي لنقل الأسلحة إلى الحزب، لأن المنشأة «مخترقة أمنياً ومكشوفة أمام الجواسيس».
وقال إن كل مَن يعرف الوضع في مطار بيروت يعلم جيداً أنه ليس المكان المناسب لتخزين أي أسلحة، وشدد على أن نقل الأسلحة الإيرانية إلى الحزب يتم عبر طرق أخرى آمنة وغير مكشوفة للأعداء، معتبراً أنه لو كان لدى الإسرائيليين أو الأميركيين أي معلومات مؤكدة عن هذا الأمر لكانوا قد حوّلوه إلى «قميص عثمان»، أو ربما قصفوه منذ مدة طويلة.
وبحسب تقديرات المصدر، فإن الهدف من نشر مثل هذه الأخبار هو إيجاد ضغط نفسي على اللبنانيين وتهديدهم بأن إسرائيل ستحاصر بلادهم عبر تهديد الرحلات الجوية.
وذكر المصدر، الذي يُشرف حالياً في «فيلق القدس» على القسم المتعلق بالتأمين اللوجيستي لـ «حزب الله» أنه، حسب معلوماته، فإن الحزب هدد إسرائيل عبر الأميركيين بأنه في حال ضربها مطار بيروت فإنه سيرد باستهداف مطار بن غوريون قرب تل أبيب.
وأفاد بأن طهران أعطت الإذن للحزب لاستخدام بعض الأسلحة التي كان يجب عدم الكشف عنها، في حال قرر تنفيذ ذلك الهجوم، مضيفاً أن عشرات الصواريخ الثقيلة للحزب أقفلت على إحداثيات نقاط مختلفة من مطار بن غوريون منذ بضعة أيام، وأن الحزب لديه الإمكانات اللازمة لتدمير أو تعطيل أو التشويش على بطاريات الدفاعات الجوية الإسرائيلية، ومن بينها القبة الحديدية قبل القيام بهذا الهجوم.
إلى ذلك، كشف المصدر أن «حزب الله» حصل حديثاً على أنظمة دفاع جوي تستطيع رصد تحركات الطائرات الإسرائيلية على شعاع مئتي كيلومتر، وبات بإمكانه ضرب هذه الطائرات قبل أو خلال دخولها الأجواء اللبنانية من الآن فصاعداً، مضيفاً أن ترسانة صواريخ أرض - جو التابعة للحزب لا تزال محدودة، ولذلك يحاول الاحتفاظ بهذه الترسانة تحسباً لاندلاع حرب شاملة، لكن إيران قامت أخيراً بزيادة حجم الصواريخ المرسلة إليه، خصوصاً صواريخ أرض ـ جو متوسطة المدى والمحمولة على الكتف، وأنه بعد مدة قصيرة سيتم سد حاجة الحزب من هذه الأسلحة، وحينئذ سيصبح قادراً على استهداف كل الطائرات الإسرائيلية التي تحاول اختراق الأجواء اللبنانية.
وكانت «الجريدة» انفردت قبل أسابيع بنية «حزب الله» تجربة استخدام صواريخ قادرة على إسقاط مقاتلات إسرائيلية.
ميدانياً، وكما كان متوقعاً اندلعت جولة من التصعيد العسكري أمس بين الحزب وإسرائيل، التي اغتالت أمس الأول قيادياً عسكرياً رفيعاً بالحزب، يدعى محمد ناصر والمعروف بـ «الحاج أبونعمة».
ورداً على اغتيال القيادي الثالث البارز، منذ التصعيد، أعلن الحزب أمس استهدافه أكثر من عشرة مقار عسكرية في شمال إسرائيل وفي الجولان السوري المحتلّ «بأكثر من 200 صاروخ» و«بسرب من المسيرات الانقضاضية».
وتحدثت تقارير إسرائيلية عن مقتل جندي في الجولان وسقوط جريح في مدينة عكا، حيث سقط أحد الصواريخ على مجمع تجاري، كما اندلعت حرائق في أماكن متفرقة من شمال إسرائيل، وقال الجيش إنه اعترض عشرات الصواريخ.
جاء ذلك في حين كان المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، المكلف قيادة المساعي الأميركية للتهدئة على الحدود الجنوبية اللبناينة، يزور باريس، ويلتقي المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان.
وأشار مراقبون إلى أن عملية الاغتيال الإسرائيلية ورد «حزب الله» عليها قد يؤثران سلباً على مهمة هوكشتاين، خصوصاً أن الحزب، خلال زيارة المبعوث الأميركي الأخيرة للبنان، كان قد أبلغ المعنيين بضرورة وقف تل أبيب عمليات الاغتيال التي تنفذها ضد كوادره.
وجاء رد «حزب الله»، الذي شمل الجولان، كرد على مطالبته هوكشتاين بحصر المواجهات في مزارع شبعا التي يعتبرها الحزب أرضاً لبنانية محتلة، في وقت يدور نزاع عليها بين كل من سورية ولبنان وإسرائيل.
وفي بيروت، قالت مصادر دبلوماسية إن التصعيد الحالي ربما لن يتدحرج إلى الحرب الواسعة التي يحذر منها الجميع، مضيفة أن هناك تضارباً كبيراً في وجهات النظر لدى الإسرائيليين من مهاجمة لبنان، إذ تؤيد أغلبية في الجيش وكذلك وزير الدفاع يوآف غالانت والوزير السابق بيني غانتس الذهاب إلى حرب لفرض معادلة أمنية على الحدود تحمي سكان شمال إسرائيل، في المقابل لا يزال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو غير واضح حول القرار الذي سيتخذه.