ستارمر يبدأ «إعادة بناء» بريطانيا بعد فوز ساحق
ألغى ترحيل المهاجرين إلى رواندا وتعهد بتحسين الصحة العامة وجدد الدعم للناتو وأوكرانيا
بعد تحقيق حزب العمال البريطاني فوزاً ساحقاً في الانتخابات طوى صفحة حكم المحافظين الذي استمر 14 عاماً، بدأ رئيس الوزراء الجديد كير ستارمر في أول يوم له بمنصبه اليوم العمل على تنفيذ خطته «إعادة بناء بريطانيا».
وغداة تكليف الملك تشارلز الثالث رسمياً له تشكيل الحكومة، عقد ستارمر أول اجتماع لمجلس الوزراء صباح اليوم، بحضور أول وزيرة مال بريطانية ريتشل ريفز ووزير الخارجية الجديد ديفيد لامي.
وأمضى ستارمر ساعاته الأولى في داونينغ ستريت الجمعة في تعيين فريقه الوزاري، بعد تحقيق حزب العمال «يسار الوسط» فوزاً ساحقاً في الانتخابات التشريعية.
وقال ستارمر بعد تكليفه «سنعيد بناء المملكة المتحدة». وكرر «مهام» الحكومة الخمس الرئيسية في خطابه، وتعهد بإعادة خدمة الصحة العامة «على قدميها»، وضمان «حدود آمنة» وشوارع أكثر أماناً.
لكن حكومته تواجه تحديات هائلة، بما في ذلك الركود الاقتصادي، والخدمات العامة المتداعية، والأسر التي تعاني أزمة تكاليف المعيشة المستمرة منذ سنوات.
وأكد ستارمر «لا أعدكم بأن المهمة ستكون سهلة. الأمر لا يقتصر على الضغط على زر لتغيير البلاد بل يتطلب عملاً شاقاً وصبوراً وحازماً».
وفي أول مؤتمر صحافي له، قال رئيس الوزراء البريطاني، إنه سيحضر قمة حلف الناتو في واشنطن لأنها ستكون من أجل مساندة أوكرانيا. وقال: «واجبنا الأول هو الدفاع عن الوطن وتأكيد مساندتنا للناتو».
وأنهى ستارمر خطة سلفه ريك سوناك الخاصة بترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا قبل حتى إقلاع أي رحلات جوية. بقوله: «مخطط رواندا مات ودُفن قبل أن يبدأ. لم يشكل رادعاً أبداً (لعبور القوارب الصغيرة)، ولست مستعداً لمواصلة حيل لا تشكل رادعاً».
وهنأ زعماء العالم ستارمر، أمس، بالفوز الساحق. وتحدث ستارمر هاتفيا مع الرئيس الأميركي جو بايدن، و»ناقشا التزامهما المشترك بالعلاقة الخاصة وطموحاتهما المتوافقة لتحقيق نمو اقتصادي أكبر». وتحدث أيضاً مع رئيسة المفوضية الأوروبية أرسولا فونديرلاين، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ونظيره الأسترالي أنتوني ألبانيزي.
وتجاهل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فوز ستارمر، وقام بدلاً من ذلك بتهنئة زعيم حزب «إصلاح بريطانيا» المناهض للمهاجرين نايجل فاراج، الذي دخل البرلمان مع أربعة مقاعد للمرة الأولى بعد ثماني محاولات.
وحصد حزب العمّال 412 مقعداً، أي أكثر من المقاعد الـ 326 الضرورية للحصول على الأغلبية المطلقة في مجلس العموم والتمكن من تشكيل حكومة بمفرده.
والعدد أقل بقليل من النتيجة التاريخية التي سجلها توني بلير العام 1997 بحصول الحزب يومها على 418 مقعداً.
أما حزب المحافظين بزعامة سوناك فسجّل أسوأ نتيجة له على الإطلاق منذ مطلع القرن العشرين مع انتخاب 121 نائباً في مقابل 365 قبل خمس سنوات عندما كان الحزب بزعامة بوريس جونسون. وقد خسر عدد كبير من قياديي الحزب المحافظ مقاعدهم النيابية على غرار وزير الدفاع غرانت شابس ووزيرة العلاقات مع البرلمان بيني موردانت التي كانت مرشحة لتولي زعامة الحزب مستقبلاً. كذلك، خسرت رئيسة الوزراء المحافظة السابقة ليز تراس مقعدها.
وفي البرلمان الجديد سيشكل الليبراليون الديموقراطيون القوة الثالثة، مع حصولهم على أكثر من 70 مقعداً.
وفي اسكتلندا أصيب الحزب الوطني الاسكتلندي الاستقلالي بانتكاسة كبيرة، ولم يفز إلا بتسع دوائر من أصل 57.
وفاز حزب الخضر بأربعة مقاعد، مقارنة بمقعد واحد في الاستحقاق الماضي. وتم أيضاً انتخاب 6 نواب مستقلين، وهو أمر غير مسبوق، وألحق 4 منهم الهزيمة بمرشحي حزب العمال في مناطق تقطنها أعداد كبيرة من المسلمين وتركزت الحملات الانتخابية حول الحرب بين إسرائيل وحماس.
وحصل حزب العمال على نحو 34 في المئة من الأصوات، في تراجع عن 2019، والأدنى على الإطلاق في الحصول على أغلبية.
وفي الوقت ذاته، بلغت نسبة المشاركة أقل بقليل من 60 في المئة، وهي الأدنى منذ عام 2001، ما يشير إلى لامبالاة على نطاق واسع.
ويرى كريس هوبكنز، مدير الأبحاث السياسية في مؤسسة سافانتا لاستطلاعات الرأي أنه «على الرغم من أن هذا لا ينبغي أن يطغى على فوز حزب العمال اليوم، فإنه قد يشير إلى بعض التحديات التي قد يواجهها حزب العمال».
وأوضح «ببساطة، من المحتمل ألا يتمكنوا من إعادة أكثر من 400 نائب في الانتخابات المقبلة بأقل من 40 في المئة من الأصوات».
ستارمر... براغماتي أعاد «العمال» إلى الوسط
وصفت وكالة فرانس برس رئيس وزراء بريطانيا الجديد، كير ستارمر، بأنه براغماتي أكثر منه أيديولوجي، مشيرة إلى أنه على العكس من أغلبية السياسيين في هذا العصر، خاض مسيرة مهنية طويلة ومتميزة، قبل أن يصير عضوا في البرلمان، حيث تولى العديد من المسؤوليات، بدءا من محام في مجال حقوق الإنسان إلى مدّع عام للدولة.
ويعد الزعيم ذو الـ 61 عاماً الشخصية الأكبر سنّا التي تتولى المنصب منذ أكثر من نصف قرن، علما بأنه عضو منتخب في البرلمان منذ 9 سنوات فقط.
في المقابل، يصفه منتقدون بأنه انتهازي، غالباً ما يبدّل مواقفه، ويشددون على أنه لا يملك رؤية واضحة للبلاد.
وتقول «فرانس برس» إنه في بعض الأحيان، يبدو مشجع فريق أرسنال الذي جاء إلى السياسة في وقت متأخر من حياته، غير مرتاح في دائرة الضوء، ويكافح من أجل التخلص من صورته العامة باعتباره شخصية مملة.
وتضيف أن أنصاره يعترفون بأنه يفتقر إلى الكاريزما التي كان يتمتع بها أسلافه، لكنهم يقولون إن نقطة قوته تكمن في أن حضوره يوحي الاطمئنان، في أعقاب سنوات مضطربة من حكم المحافظين.
ويعد ستارمر الذي سمّي على اسم مؤسس حزب العمال، كير هاردي، الأكثر انتماء إلى الطبقة العاملة من بين الذين تعاقبوا على رئاسة الحزب المعارض منذ عقود.
وقال ستارمر للناخبين مراراً خلال جولاته الانتخابية «والدي كان يعمل في مصنع للأدوات، وأمي كانت ممرضة»، رافضا تصوير منافسيه له أنه ينتمي إلى نخبة لندن الليبرالية المتعجرفة.
ويسلّط فصل يساريين من الحزب خلال زعامته الضوء على جانب قاسٍ من شخصيته دفعه إلى أعلى منصب سياسي في بريطانيا، لكن يقال إنه طريف في مجالسه الخاصة ومخلص لأصدقائه.
نشأ الرجل في منزل ضيق في ضواحي لندن برعاية أم تعاني مرضا خطيرا وأب لا يعبّر عن مشاعره وعواطفه. لديه 3 أشقاء، أحدهم يعاني صعوبات في التعلم، ووالداه من محبي الحيوانات، وقد ساهما في إنقاذ عدد من الحمير. تعلّم ستارمر في المدرسة العزف على الكمان على يد نورمان كوك، عازف الغيتار السابق الذي اشتهر لاحقا. وبعد دراسة القانون في جامعتَي ليدز وأكسفورد، حوّل ستارمر انتباهه إلى القضايا اليسارية، ودافع عن النقابات العمالية والناشطين المناهضين لـ «ماكدونالدز» والسجناء المحكوم عليهم بالإعدام في الخارج.
وفي عام 2003 بدأ يقترب من المؤسسة السياسية، مما سبب صدمة لأصدقائه وزملائه. وفي البداية تولى وظيفة تضمن امتثال الشرطة في أيرلندا الشمالية لتشريعات حقوق الإنسان.
وبعد 5 سنوات، تم تعيينه مديرا للنيابة العامة في إنكلترا وويلز، عندما كان زعيم حزب العمال غوردون براون رئيساً للوزراء.
وبين عامَي 2008 و2013، أشرف على محاكمة أعضاء برلمان بتهمة استغلال نفقاتهم، وصحافيين بتهمة التنصت على الهواتف، ومثيري شغب شبان شاركوا في الاضطرابات بجميع أنحاء إنكلترا.
وحصل على لقب سير من الملكة إليزابيث الثانية، لكنّه نادرا ما استخدم هذا اللقب، وتم انتخابه عام 2015 عضوا في البرلمان عن منطقة بشمال لندن تغلب على ناخبيها الميول اليسارية.
وبعد عام من انتخابه عضوا في البرلمان، انضم ستارمر إلى مجموعة من النواب المتمردين في حزب العمال ضد اليساري جيريمي كوربن، متهمين اياه بالافتقار إلى القيادة خلال حملة الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
فشل التمرد في وقت لاحق من ذلك العام، لكنّ ستارمر انضم مجددا إلى قيادة حزب العمال بصفته متحدثا عن الحزب فيما يخص «بريكست»، وبقي يؤدي هذا الدور حتى خلافته كوربن الذي قاد الحزب إلى أسوأ هزيمة له في الانتخابات منذ عام 1935.
ومنذ ذلك الحين، أظهر ستارمر تصميما من خلال إعادة الحزب إلى موقع الوسط، وقيادته حملة تطهير لإرث كوربن، وقام بحملة لاجتثاث ما أسماه «معاداة السامية» داخل الحزب.
وقال المحافظ دومينيك غريف، الذي عمل معه عندما كان مدعيا عاما، إن ستارمر «يوحي الولاء لأنه يبدو مستقيما وعقلانيا».
وقد اتهم اليسار ستارمر بالخيانة لإسقاطه عددا من التعهدات التي قطعها خلال حملته الانتخابية، بما في ذلك إلغاء الرسوم الجامعية، لكنّ نجاحه في استعادة المكانة الاستراتيجية لحزب العمال ووضعه مرة أخرى على سكّة السلطة، يدلّ على أن النجاح أمر ثابت في حياة ستارمر، الذي قال مرة «إذا ولدت بلا امتيازات، فلن يكون لديك وقت للعبث... لا يمكنك الدوران حول المشكلات من دون حلها».