الغنيم يحصل على وثيقة نادرة من كمبردج حول تطوير الكويت

مشاهدات ضابط مهندس بريطاني بالجمعية الملكية لوسط آسيا خلال فترة الخمسينيات

نشر في 07-07-2024
آخر تحديث 06-07-2024 | 18:25

حصل الدكتور عبدالله الغنيم رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية على نص محاضرة تاريخية لضابط بريطاني كبير حول انطباعاته وآرائه بشأن تطوير مدينة الكويت، سيتم نشرها في «مجلة الرسالة» التي يصدرها مركز البحوث، وفيما يلي نص المحاضرة:

نُشرت الوثيقة التي هي عبارة عن محاضرة قدمها الكولونيل ل. دبليو. أمبس، في مجلة الجمعية الملكية لآسيا الوسطى، وتم الاطلاع عليها في مكتبة جامعة كمبردج في 27 مايو 2024م، وتحدث الكولونيل ل. دبليو. أمبس في بداية المحاضرة وقال: «على الرغم من مرور قرابة سبعة وعشرين عاماً منذ انضمامي إلى الجمعية الملكية لآسيا الوسطى، فأنا حقاً شخص غير مناسب للحديث عن الشرق الأوسط، لأن معظم خبرتي في الخارج اكتسبتها في أماكن أخرى غير الشرق الأوسط. عذري الوحيد للتحدث معكم، في ظل وجود العديد من الأشخاص الآخرين الذين هم خبراء في هذه المنطقة، هو اهتمامي الكبير بالكويت. سأتحدث معكم ببساطة كمقاول عن بعض المشكلات التي يواجهها المرء في مخططات التطوير الكبيرة، وطريقة حلها. والآراء التي أذكرها هي آراء شخصية.

حاكمها يتمتع ببصيرة وهدفه تحويل الإمارة إلى مركز ثقافي للشرق الأوسط

كما تعلمون، الكويت دولة صغيرة بحجم ويلز، تقع في الطرف الشمالي الغربي للخليج العربي. لقد كانت دولة مستقلة لأكثر من قرنين من الزمان، وحكمتها العائلة نفسها خلال تلك الفترة في تتابع متواصل، ولا ينتقل الحكم بالضرورة من الأب إلى الابن، بل يبقى داخل نفس العائلة.

المراكب الشراعية

إن الإدارة هي إلى حد ما إدارة إقطاعية، وحتى سنوات قليلة مضت كانت الكويت دولة فقيرة نسبيًّا. عاش الناس على صيد الأسماك والغوص على اللؤلؤ وبناء المراكب الشراعية، حيث أصبحوا بارعين للغاية في إنشائها، وكانوا أيضًا بحارة من الدرجة الأولى، ولهم دور كبير في التجارة بين الهند وأفريقيا والشرق الأوسط. ومنذ خمس أو ست سنوات، بدأ إنتاج النفط وتصديره، فقفزت الدولة من كونها دولة فقيرة نسبيًا. وفي الوقت نفسه كان عليها أن تتحول من دولة إقطاعية إلى دولة رفاهية حديثة، دون أي من الخطوات التدخلية التي تمر بها معظم الدول التي تمر في هذه العملية.

تجارها أذكياء وقادرون على الاستفادة من الثروة النفطية وشعب قوي ومبادر يعتمد على نفسه

موارد الكويت قليلة جدًا، ولذلك كان عليها أن تعتمد إلى حد كبير على الاستيراد والتصدير، وكانت عبر تاريخها مركزًا تجاريًا مهمًا، وميناءً حراً يستورد البضائع من مكان ما ويصدرها إلى مكان آخر - وهي تشبه في هذا، إلى حد ما، هونغ كونغ في الشرق الأقصى.

ثلاثة عناصر اجتماعية

وتابع: «هناك ثلاثة عناصر اجتماعية في الدولة، هي: العائلة الحاكمة، والتجار، والشعب. والتجار أذكياء وقادرون، ورجال بعيدو النظر، وليس لدي أدنى شك في أنهم سيستفيدون استفادة كاملة من رأس المال الجديد، هذا الذي يتدفق بسبب النفط. وشعب الكويت، كما أراهم، أقوياء وواسعي الحيلة ومليئين بالمبادرة. لقد كان عليهم أن يعيشوا حياة صعبة لأجيال. إنهم يعتمدون على أنفسهم ولديهم شعور وطني قوي». وهدف الحاكم هو استخدام هذه الأموال التي تأتي إليه لمصلحة شعبه أولاً وقبل كل شيء. إنه رجل يتمتع ببصيرة ومبادئ سامية ويسعى إلى استخدام أموال النفط في تحويل الدولة إلى مركز ثقافي للشرق الأوسط بأكمله. وهذا يعني رفع مستوى المعيشة لشعبه، وتطوير المياه والطاقة والإسكان والميناء والطرق والمطارات وكل ما يرتبط بها. إن الكويت ليست، بطبيعة الحال، مستعمرة بريطانية أو محمية بريطانية. وهي دولة لها علاقة تعاهدية مع بريطانيا، وقد قام الحاكم بتعيين لجنة تنمية (مجلس الإنشاء) للتعامل مع التطور الهائل الذي يحدث هناك.

18 سفينة في الميناء تنتظر تفريغ حمولتها والمطار غير مناسب لطائرات «الكوميت»

وتحت إدارتهم العامة مستشارون، معظمهم من المستشارين البريطانيين حتى الوقت الحاضر، الذين يشرفون على مختلف الإدارات الحكومية، كل منها تحت إدارة مدير كويتي. ويهتم شعب الكويت بالاحتفاظ بالسيطرة على هذا التطور، والقيام بأمره، في حين أنه، من ناحية أخرى، يحتاج إلى المشورة الفنية التي يمكن أن يقدمها البريطانيون. يتم تنفيذ العمل من قبل شركات المقاولين البريطانيين بشكل رئيسي، ومع ذلك، لا يُسمح لهم بالعمل بشكل كامل بمفردهم، إذ يتحتم على كل واحد منهم أن يكون معه شريك كويتي، وهذا من خلال تجربتنا العملية أمر جيد للغاية، فهو يضمن أن الشركة البريطانية تفكر دائمًا من وجهة نظر الكويتيين، وفي نهاية المطاف، هذا هو ما نسعى إليه جميعًا. كلنا نريد أن نساعد الحاكم في بناء الدولة بالمستوى الذي يصبو إليه. لقد تم تعيين مستشارين وخبراء تخطيط مدن ومهندسين معماريين ومهندسين مدنيين ومهندسين ميكانيكيين وجميع الخبراء الفنيين الآخرين اللازمين لتفعيل هذا البرنامج.

كيف خططت المدينة؟

إن الموارد المحلية قليلة جداً بالطبع، باستثناء النفط، وهو الذي أحدث هذه المعجزة للكويتيين. هذا يعني استيراد كل شيء تقريبًا كالطوب والأسمنت وجميع السلع المصنعة مثل الفولاذ، وأنابيب المياه، والمصانع، والآلات، وما إلى ذلك، حتى الخرسانة كانت تجلب من العراق جزئياً، لأن هذا المورد ليس كافيًا هنا. لقد تم تنفيذ تخطيط مدينة الكويت من قبل شركة ذات خبرة في تخطيط المدن- وتم تقسيم المدينة إلى 8 مناطق سكنية تكفي كل واحدة منها لنحو ستة آلاف شخص، وفي كل منطقة منها سيكون هناك مركز للتسوق، ومدرسة ابتدائية وروضة أطفال وملعب، أما المدارس الثانوية فسوف تحتل مساحة أكثر اتساعاً. وتم حجز مساحات للصناعات والأعمال الخفيفة في كل منطقة ثم هناك المنطقة الصناعية الرئيسية، حيث يقع الميناء، ومحطة كهرباء، ومحطة تقطير المياه ومبان صناعية ومنشآت أخرى. هناك مناطق تعليمية ومستشفيات ومطار جديد أيضًا في المخطط. ويتم الآن إنشاء الطرق الدائرية والطرق الرئيسية وهدم المنازل لإفساح المجال لها. في مشروع مثل هذا، من الصعب جدًا تحديد الأشياء التي يجب إعطاؤها الأولوية. وأولئك الذين يعرفون ذلك الجزء من العالم سيدركون أن الأولوية الأولى ربما تكون واضحة إلى حد ما، إنها للمياه. جميع أنحاء الكويت عبارة عن صحراء لا ينمو عليها أي شيء.

كيف ستنفق الكويت الملايين المتحصلة من ثروة النفط؟ وهل ستساعد اللاجئين الفلسطينيين لإعادة توطينهم؟

ولكن من المثير للاهتمام أن نرى بعد زخات المطر التي تحدث أحيانًا نمو بعض الأعشاب والأزهار الصحراوية الرائعة، وهي أزهار صغيرة قصيرة الارتفاع، لكن إنتاجية تلك الصحراء تكون مذهلة عندما يكون هناك ما يكفي من المطر، حيث تمنح الفرصة لتعزيز نموها.

معجزة المياه

لذلك كان الجزء الأول من مخطط التطوير هو تركيب محطة لتقطير المياه من البحر بطاقة تبلغ مليون غالون يوميًا. ولما كان عدد سكان الكويت لا يتجاوز 200 ألف نسمة، وأنها ليست كمية كبيرة جداً للفرد، فإن المقترح توسيع المشروع تدريجياً حتى ينتج ما مجموعه خمسة ملايين غالون تقريبًا. أما المياه الأخرى فهي تأتي من الآبار وأغلبها غير صالحة للاستهلاك البشري. وقبل إنشاء محطة التقطير، كانت المياه العذبة تُجلب عن طريق السفن من شط العرب، تُوضع في قرب من جلود الماعز وتُحمل على ظهور الحمير والجمال وتباع في المدينة. وقد قامت شركة نفط الكويت بتزويد المدينة بالقليل من المياه التي استطاعت توفيرها، والتي كانت ذات قيمة كبيرة حتى وقت افتتاح محطة التقطير الجديدة. ومن الواضح أن تشغيل محطة تقطير مثل هذه عادة ما يكون مكلفًا للغاية، فهو مكلف من حيث الوقود، ولكن في هذه الحالة قام المهندسون بالترتيب لاستخدام غاز النفايات من آبار النفط. لذلك يمكن القول، إن تكلفة الوقود، باستثناء التكلفة الرأسمالية لخط الأنابيب، لا تعد شيئًا، ويخفض ذلك كثيرًا من تكلفة تشغيلها. ثم تم عرض فيلم حفل افتتاح مصنع التقطير بعنوان تطوير مدينة الكويت. وشوهد مبنى طويل مبني من الطوب ذو تصميم حديث، يعلوه علم دولة الكويت منكسًا عند نصف السارية احترامًا لوفاة الملكة.

توليد الكهرباء والطرق

وبالقرب من هذه المحطة يوجد مطلب عاجل آخر لدولة نامية، ألا وهو محطة توليد الكهرباء التي قد بدأت قبل فترة قصيرة. وتتميز مدينة الكويت بالروعة في الليل من حيث كمية الإنارة الموجودة فيها مقارنة بالعديد من المدن الشرقية الأخرى التي زرتها، وهذا بالطبع يتطلب الكثير من الطاقة الكهربائية. بالإضافة إلى ذلك، هناك ميل متزايد للناس للحصول على مبردات لتركيبها في منازلهم، وستكون هناك حاجة إلى المزيد والمزيد من التيار للصناعة، لذلك سيكون هناك طلب كبير على الطاقة، ومن الصعب جدًا مواكبة إمدادات الطاقة مع الطلب، لذا فإن بناء محطة طاقة هو أحد العناصر ذات الأولوية العالية جدًا. الطرق مهمة جدًّا، قبل عام لم يكن هناك سوى طريق واحد جيد في الكويت، وكان ذلك الطريق من مدينة الكويت نفسها إلى مقر شركة النفط، ولكن الطرق الآن تتحسن بمعدل سريع للغاية. لديهم آلات حديثة لتسوية الأسطح، ويمكنك الآن القيادة براحة نسبية عبر الطرق والشوارع الرئيسية في المدينة. يتم اعتماد سياسة بعيدة النظر فيما يتعلق بالطرق، وعلى الرغم من قدر معين من الاعتراض المحلي تتم إزالة المباني لإنشاء طرق واسعة. ولا شك أنه سيتم بناء طريق إلى البصرة في الوقت المناسب، فالمسار الحالي سيئ جداً، ويستغرق الوصول إليها بالسيارة وقتًا طويلاً، وتبلغ المسافة حوالي 100 ميل فقط، ومن المفترض أنه عندما يتم إنشاء طريق سريع جيد يصل إلى البصرة فإن فائدته ستكون كبيرة للبلدين.

أكبر مطبخ بالشرق الأوسط

وأضاف: «من الأعمال الحكيمة ضمن البرنامج التعليمي إنشاء مطبخ مركزي كبير يقدم 14000 وجبة في منتصف النهار كل يوم. أعتقد أنه أحد أكبر المطابخ في العالم، عندما يتم تشغيله، وسيتم نقل الوجبات في حاويات ساخنة أو مبردة إلى المدارس، سواء أكانت المدارس القائمة أو المدارس الجديدة. وخلال العطلات لن يتم اصطحاب الوجبات إلى المنازل، ولكن من المتوقع أن يذهب الأطفال ويحصلون على وجبة منتصف النهار في المدارس، ومن المأمول أن يعتادوا على القيام بذلك.

المدارس في كل مكان وأكبر مطبخ بالشرق الأوسط يقدم الوجبات للطلبة

وعن الملاحة البحرية، قال: «الميناء، وهو من العناصر الحيوية المهمة في الوقت الحاضر، فإن مرافقه غير كافية للغاية، مما يجعل من الصعب الاستمرار في بقية العمل. وآخر المعلومات التي حصلت عليها من الكويت تفيد بأن هناك ثماني عشرة سفينة راسية قبالة الكويت تنتظر تفريغ حمولتها، ويمكن التعامل مع ثلاث أو أربع فقط في وقت واحد، لذلك فمن الضروري بناء ميناء حديث. وقد بدأت عملية التجريف (حفر قناة للميناء) للتو، ومن المقرر أن تنتهي في وقت ما في عام 1955م، وسوف يبدأ بناء الميناء الجديد في نهاية هذا العام. ويوجد الآن رصيفٌ مؤقتٌ للمراكب الصغيرة عمقه نحو ثلاثين قدمًا عند انخفاض المياه وهو الآن جاهز للاستخدام. شكل آخر من أشكال الاتصال المهم هو الاتصال الجوي. الكويت ليست على الطريق البحري بالضبط، ولكنها على الطريق الجوي المباشر إلى الشرق من أوروبا، لذا من وجهة نظري، سيكون لها أهمية كبيرة في المستقبل. والمطار الحالي صالح للاستخدام وقد تعوّد طيارو الخطوط الجوية البريطانية النزول فيه، لكنه غير مناسب للطائرات الحديثة مثل طائرات الكوميت وغيرها. وعندما يسقط المطر، لا يمكن لأي طائرة أن تهبط على الإطلاق».

التعليقات والمداخلات

بدوره، قال رئيس الجلسة: لقد قال العقيد أمبس بكل لطف إنه سيكون سعيداً جداً بالإجابة عن أي أسئلة أو تلقي تعليقات، وسأستفيد من موقعي بطرح السؤال الأول عليه. أنا مهتم جدا بما قاله عن ازدهار الصحراء عندما يهطل بعض المطر. إذا توافرت كمية كافية من المياه، فهل هناك أي سبب لعدم استصلاح تلك الصحراء وزراعة الغذاء فيها؟

العقيد أمبس: أنا لست زراعيًا، ولكنني رأيت في أفغانستان وعلى الحدود الشمالية الغربية أراض غير جذابة تصبح خصبة بشكل رائع عندما تُعطى المياه. عندما كنت في البصرة قبل بضعة أسابيع كنت أتحدث مع خبير زراعي عراقي تدرب على الزراعة في جامعة أكسفورد، وقال إنه لا يساوره أدنى شك في أن الصحراء يمكن أن تصبح خصبة للغاية إذا توافرت لديها المياه الكافية.

كيف ستنفق الثروة؟

- العقيد ج. روث (G. Routh): مع هذه الإيرادات الهائلة القادمة وكل هذه المشاريع، ألن يأتي وقت يصعب فيه على الناس في الكويت معرفة ما يجب فعله بكل أموالهم؟ أفترض أنه ينبغي استثمار بعض منها؟

العقيد أمبير: من المستحيل بالطبع أن ينفقوا الـ50 أو 60 مليونًا التي نقرؤها في الصحافة، إنها دخل للدولة. ولا يمكن لأحد أن ينفق هذا المبلغ على أعمال التطوير وما إلى ذلك في عام واحد، ولا شك أن الأموال سيتم استثمارها، لأنني أعتقد أنه تم إدراك أن النفط لا يدوم إلى الأبد، كما قد يكون هناك وقود بديل يتم تطويره مع مرور السنين. لا أستطيع أن أقول بالضبط ما الذي يجري في هذا الاتجاه.

مدينة الكويت قسّمت إلى 8 مناطق سكنية كل واحدة منها تكفي 6 آلاف شخص

الآنسة كيلي (Miss Kelly): هل يتم استخدام أي من هذه الثروة الكبيرة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين وإعادة توطينهم؟

العقيد أمبير: هذا موضوع صعب للغاية، وأخشى أن يكون كذلك من تلك الأسئلة السياسية التي لست مؤهلاً للحديث عنها.

الكولونيل ل. دبليو. أمبس

نشرت المحاضرة في مجلة الجمعية الملكية لآسيا الوسطى، وتم الاطلاع عليها في مكتبة جامعة كمبردج في 27 مايو 2024م.

محطة تقطير المياه من البحر معجزة أوفت باحتياجات 200 ألف نسمة

(L.W.Amps: Kuwait Town Development، Journal of the Royal Central Asian Society، Jult-Oct.1953) وألقيت في الجمعية الملكية لوسط آسيا بتاريخ 13 مايو 1953 بحضور السير سيسيل هاركوت وهي للكولونيل ل. دبليو أمبس، مهندس مدني له خبرة وسجل طويل، عمل مديرا لشركة الخليج الهندسية، كان من المسؤولين عن إعادة مستعمرة هونغ كونغ إلى العمل مرة أخرى، وقام بإعادة المباني الأوروبية فيها، وزار الكويت عام 1953. لكونها واحدة من الدول الغنية، إن لم تكن الأغنى بالنسبة لعدد السكان، في العالم.

back to top