بوصلة: هل سيتحملون مسؤولية قراراتهم؟
هل يصح تحميل المسؤولية في الأخطاء والأزمات والكوارث لعامة الناس من مواطنين ومقيمين في مسائل انقطاع الطاقة الكهربائية، والخلل في خدمات البنية التحتية، والقرارات المرتبطة بتخصصات الدراسة على الرغم من غياب تنظيم سوق العمل، وغيرها من القضايا المتراكمة في السنوات الماضية من دون الإشارة إلى المتسببين الفعليين من متخذي القرار الذين ساهموا في تفاقم المشاكل وزيادة تعقيدها عبر سنوات طويلة ومن خلال سلسلة من القرارات غير المدروسة؟
نعم هناك دور للمواطن والمقيم وجزء من المسؤولية في الأنماط الاستهلاكية، ولكن هناك أطراف أخرى مسؤولة بشكل مباشر عن تعطيل مشاريع المحطات الكهربائية، وتعطيل صيانة وتخطيط الشوارع، وتأخير مشاريع الشمال والمطار والموانئ والمصافي والمدن السكنية والعمالية، وتعطيل أي تعديل للقطاعات الصناعية والزراعية والعقارية، وتغييب الشراكة مع القطاع الخاص المنتج، والسماح لبيع المناقصات لشركات الباطن بعيداً عن المؤهلة منها والمدرجة في البورصة، ومقاومة أي تغيير أو تطوير نوعي لقطاع التعليم العالي والأساسي لتلبية متطلبات سوق العمل الأهلي والحكومي.
فالمشكلة تكمن في طرح الشعارات من دون ملاحقة من تسبب في إرجاعنا إلى الوراء ومحاسبة من ساهم في تخلفنا عن ركب التطور الخليجي، فالناس يتطلعون إلى كفاءات وخبرات قيادية تتحمل المسؤولية، ويملكون أفكاراً وحلولاً إبداعية، ويضعون خططاً تنفيذية تتكامل مع رؤية الدولة في إعادة هيكلة الاقتصاد وتنوعه بناء على رؤية مرتبطة بهويتنا الاقتصادية، التي نركز فيها على تنمية قطاعات محددة توفر فرص عمل توازن بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، وتمكننا من التنبؤ بحجم نمو فرص العمل في السنوات المقبلة، التي ستشهد نمواً مطرداً في أعداد الخريجين الباحثين عن فرص وظيفية والتي تقدر أكثر من 22 ألف خريج سنوياً!
وهناك إمكانية لإنشاء مؤشر للوظائف بالتعاون فيما بين ديوان الخدمة المدنية، والقوى العاملة، والإدارة المركزية للإحصاء، والقطاع النفطي على أن تتولى إحدى هذه الجهات بكل شفافية مسؤولية نشر تقرير شهري بفرص العمل المستحدثة، والوظائف الشاغرة، ونسب البطالة، ونسب التكويت في وظائف القطاعين العام والخاص.
كثيرة هي الحلول والأفكار، ولكن تبقى مسؤولية تبني الحلول ووضع السياسات والتوجهات والخطط ومتابعة تنفيذها تقع على عاتق القيادي الذي يملك الخبرة والمنصب والموارد والوقت والصلاحيات في تنظيم سوق العمل، وتجديد وصيانة البنية التحتية، ومراقبة الطاقة الاستيعابية للمحطات الكهربائية وشبكات الصرف الصحي والأمطار، ومتابعة تنفيذ المشاريع الكبرى السكنية والخدمية والطاقة المتجددة، أما المواطن والمقيم فهما شركاء في الاستعمال الرشيد للمرافق والخدمات وعدم تعمد إتلافها، وتحمل مسؤولية سداد الرسوم والتكلفة واتباع التعليمات لضمان المحافظة عليها واستدامتها.
فيجب الاجتهاد وحسن الاختيار بين التخصصات الدراسية المطلوبة لسوق العمل في القطاعين العام والخاص، بعد أن قامت الحكومة بدورها المفترض، ومسؤوليتها تجاه بناء جامعات وربط التخصصات والبعثات بمتطلبات سوق العمل بعيداً عن «مرحلة اللا تخطيط» السابقة التي شهدنا فيها فجوة كبيرة بين مخرجات التعليم ومتطلبات الوظائف الإنتاجية في سوق العمل بعد أن يتم تنظيمه!
القيادي يملك الصلاحيات والأدوات والممكنات لتغيير الوضع الراهن، وينقلنا من «مرحلة اللا تخطيط» إلى «مرحلة التخطيط»، ويقودنا من التخبط والإحباط إلى الانضباط والإنجاز، وإلا سنستمر في التصادم بحواجز التحديات والمخاطر، والهدر والخسائر التي لم يتمكن من رؤيتها شاغلو المناصب القيادية عند اتخاذهم القرارات المصيرية ذات التبعات الكارثية على حياة المواطن والمقيم، فهل سيتحملون مسؤولية قراراتهم؟