قبل أيام، أصدر مجلس الوزراء تعليمات وتوصيات تقضي بتحريم رفع أي راية أو لوحات قماشية أو أعلام غير علم دولة الكويت، وقد وجدت وقتها في هذه التوصيات مبالغة كبيرة في حماية الهوية الوطنية والتأكيد عليها، في نفس الوقت الذي رأيت أيضاً فيها تعدياً على حقوق المواطنين الدستورية. لكن لم أعطِ الأمر أهمية، لأنه ليس هناك ما دعا إلى ذلك.

اليوم تمنع وزارة الداخلية المواطنين الشيعة من رفع «الرايات» بمناسبة شهر المحرم واستذكار الشيعة لوفاة السيد الحسين. أعتقد أن هذا أيضاً فيه مبالغة في تطبيق توصيات مجلس الوزراء المبالغ فيها أصلاً.

Ad

في النظام الديموقراطي تحتل التعددية وحق الاختلاف مكاناً كبيراً وأهمية لا حد لها، فهي إلى جانب حرية الرأي عصب النظام الديموقراطي وأساسه. حماية حرية الأفراد واحترام طبائعهم ومعتقداتهم قضية أساسية في النظام الديموقراطي. الرأي الواحد والاعتقاد الواحد أو الزي الواحد، كما فعل «ماو» في الصين، هو همّ وديدن الأنظمة الشمولية والدكتاتورية التي تغيب فيها التعددية ويُحظر فيها تداول السلطة.

الأدهى من هذا هنا... هو أن الرايات السوداء التي يرفعها الشيعة في هذه المناسبات هي عادة تاريخية أصلية، بل هي عند البعض جزء أو تكاد تكون جزءاً من العقيدة، وهي موجودة في كل مكان يقيم الشيعة فيه العزاء... وهي قبل كل هذا وذاك «تعبير» عن الحزن... تعبير عن الحزن، وليس لها علاقة يا مجلس الوزراء ووزارة الداخلية بأي ولاء أو انتماء. تماماً حالها حال مَن يلبس البدلة أو الثوب الأسود بمناسبة وفاة أحد الأقرباء أو الأصدقاء... تعبير وإعلان عن الحزن لا أكثر ولا أقل.

أعتقد، كما قلت في البداية، أن قرار مجلس الوزراء مُبالغ فيه، وأنه جاء ربما كردّة فعل غير محسوبة على إهمال الهوية الوطنية، بل معاداتها بفرض الطقوس والمعتقدات الدينية والقبلية، ونشرها في العقود السابقة بالقوة بين الناس.

نحن في دولةٍ المفروض أنها ديموقراطية تحترم حرية أفرادها ومعتقداتهم... لذا من حق الشمري أن يرفع راية شمر، ومن حق المطيري أن يحتفظ بهويته، ومن حق الشيعي أن يعلن عن حزنه... ومن حق مشجع القادسية أو الكويت أن يدعم فريقه.