يتوجه الفرنسيون اليوم إلى صناديق الاقتراع، للمشاركة في الجولة الثانية بانتخابات تشريعية تاريخية تراقبها عن كثب عواصم عديدة، بعد أن شهدت جولتها الأولى صعودا صاروخيا لليمين المتطرف بفوزه بنحو 33 بالمئة من الأصوات.

ودفعت النتائج غير المسبوقة للجولة الأولى المتنافسين من اليسار والوسط إلى تشكيل جبهة جمهورية لقطع الطريق أمام حزب التجمع الوطني، بزعامة مارين لوبن وجوردن بارديلا، بينما أظهرت آخر الاستطلاعات أنه سيتم انتخاب «برلمان لا يمكن إدارته أو فوضى من دون أغلبية مطلقة».

Ad

وقبل ساعات من اختتام الحملة الانتخابية منتصف ليل الجمعة - السبت، وبدء فترة الصمت الانتخابي، أظهرت عدة استطلاعات للرأي اشتداد المنافسة بين الكتل الثلاث: حزب التجمع الوطني وحلفاؤه في أقصى اليمين، وتحالف الجبهة الشعبية الجديدة في اليسار، ومعسكر الرئيس إيمانويل ماكرون في الوسط.

وفي الجمعية الوطنية الجديدة، التي ستتشكل بعد الانتخابات التشريعية اليوم، لن يكون لليمين المتطرف وحلفائه أغلبية مطلقة (289 نائبا) إنما سيحصل على 170 إلى 210 مقاعد، حسبما أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة، تتبعه الجبهة الشعبية الجديدة مع 155 إلى 185 مقعدا، ثم معسكر ماكرون الذي يُرجح حصوله على ما بين 95 و125 مقعدا.

وخلص استطلاع أجرته مؤسسة إيفوب، لصحيفة لوفيغارو المحافظة، إلى أن استراتيجية الانسحاب التي اعتمدتها الجبهة الشعبية الجديدة والمعسكر الرئاسي «قد تكون مربحة، حيث باتت فرضية تشكيل برلمان بأغلبية مطلقة من اليمين المتطرف (289 مقعدا من إجمالي 577) صعبة المنال».

من جانبه، أظهر استطلاع أجرته مؤسسة كلوستر 17 أن «الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية ستفرز برلمانا فوضويا غير قابل للحكم، دون أغلبية واضحة»، حيث توقعت التقديرات مجلسا مقسما بالتساوي «تقريبا» بين 3 كتل متنافسة.

وسيحصل اليمين المتطرف، وفق «كلوستر 17»، على مقاعد تتراوح بين 170 و210، مقابل 165 إلى 195 مقعدا لـ «الجبهة الشعبية الجديدة»، فيما سيعيد المعسكر الرئاسي تعيين ما بين 130 و160 نائبا.

ونادرا ما كانت الانتخابات الفرنسية «غير مؤكدة» إلى هذا الحد، إذ تحبس فرنسا أنفاسها بعد حملة انتخابية مستعجلة شهدت صعودا غير مسبوق لـ «التجمع الوطني» بوجهين بارزين من اليمين المتطرف: زعيمته مارين لوبان، ورئيسه جوردان بارديلا. ونددت زعيمة لوبن بتشكيل «حزب واحد» يجمع «الذين يريدون البقاء في السلطة بخلاف إرادة الشعب».

من جهته، حذر رئيس الوزراء غابريال أتال، عبر قناة فرانس 2، مساء الجمعة، من أن «الخطر اليوم يتمثل في غالبية يهيمن عليها اليمين المتطرف، وهذا سيكون مشروعا كارثيا».

وفي حال اقتراب حزب «التجمع الوطني» من غالبية 289 نائبا في الجمعية العامة أو حصوله عليها، سيصبح بارديلا (28 عاماً) مرشحا ليكون أصغر رئيس حكومة فرنسية سنّا في التاريخ، وسيطبق مشروعا مناهضا للهجرة يروج له حزبه منذ عقود. لكن في حال عدم انبثاق غالبية واضحة، ستهيمن حالة غير مسبوقة من البلبلة السياسية.

وتحدث أتال، أمس الأول الجمعة، عن احتمال حصول عرقلة سياسية، مؤكدا أن بإمكان حكومته ضمان استمرارية الدولة «للوقت اللازم» إذا لم تنبثق غالبية واضحة عن صناديق الاقتراع، من خلال تصريف الأعمال بانتظار تشكيل حكومة جديدة.

ومن هنا جاءت فكرة تشكيل «ائتلاف كبير» يضم جزءا من اليسار وكتلة الوسط واليمين الرافض لاتفاق مع «التجمع الوطني»، لكن تطرح تساؤلات حول البرنامج الذي يمكن أن يتفق عليه مثل هذا التحالف الذي يصفه خبراء سياسيون بأنه أشبه بالخلط المستحيل بين نقيضين. وقال مصدر مقرب من ماكرون الجمعة: «يمكن للفرنسيين الأحد فرض ائتلاف جمهوري في صناديق الاقتراع».

3 سيناريوهات

وأوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة مونبلييه، جون إيف دورماجن، أن فرنسا تقبل على «عدة سيناريوهات محتملة» بعد الانتخابات. السيناريو الأول حسب دورماجن، تشكيل «ائتلاف كبير» يجمع كل النواب باستثناء حزب فرنسا الأبية من أقصى اليسار وحزب التجمع الوطني من اليمين المتطرف، وتشكيل «حكومة وحدة جمهورية»، لكنه استبعد هذا الاحتمال لوجود «اختلافات كبيرة بين الأحزاب».

وأضاف دورماجن أن السيناريو الثاني ينص على تشكيل أغلبية متحركة، ويقضي بتشكيل «حكومة بدون قاعدة مستقرة في البرلمان، والتي تشكل أغلبية حسب الظروف والمناسبة وليست دائمة، مع اختيار رئيس وزراء من المجتمع المدني»، متوقعا أن تشهد «فترة طويلة من الشغور كما حدث سابقا في بعض الديموقراطيات كالبلجيكية والإيطالية».

ويقضي السيناريو الثالث بتشكيل «حكومة تكنوقراط، وهي أيضاً أحد الخيارات» مع ميزة «عدم تسييس الائتلاف» الحكومي، مشيرا إلى أنه «من الأسهل على الأحزاب السياسية أن تتفق على الالتقاء والتصويت معا على موضوع ليس سياسيا بشكل واضح»، وشدد على أنه «في كل الأحوال سندخل مساء الأحد في وضع سياسي لم نعتده، ولم يسبق له مثيل في ظل الجمهورية الخامسة».