صفقة غزة... قاب قوسين
نتنياهو يطلب دعم معتدلي «الكنيست» لتمرير الاتفاق بعد تهديد بن غفير وسموتريتش بترك حكومته
• التعديلات على مقترح بايدن تتضمن إطلاق 32 محتجزاً في 16 يوماً ضمن المرحلة الأولى
• «حماس» تتشاور مع حلفائها لتحديد تصورها لـ «اليوم التالي» دون حل جناحها العسكري
كشف مسؤول كبير لـ «الجريدة» أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو طلب من زعيم المعارضة يائير لابيد والسياسي الوسطي بيني غانتس الدعم لإبرام صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس والتي تشمل وقفاً لإطلاق النار في القطاع.
وأشار المسؤول إلى أنه في ظل تهديد الوزيرين المتشددين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش بالانسحاب من الائتلاف الحكومي في حال إبرام اتفاق دون القضاء على «حماس»، فإن لجوء نتنياهو إلى المعارضة يعني أن الصفقة باتت في مرحلة اللمسات الأخيرة.
وبحسب المعلومات المتوافرة في القدس، فإن المرحلة الأولى للاتفاق ستستمر نحو 16 يوماً يطلق خلالها الفلسطينيون سراح 32 محتجزاً حياً من الأطفال والنساء والرجال والمرضى مقابل إطلاق إسرائيل سراح 350 أسيراً من سجونها بين أطفال ونساء وكبار، تحدد هي هوياتهم، بالإضافة للسماح بإدخال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة.
وفي المرحلة الثانية، سيطلق الفلسطينيون الجنود الإسرائيليين من ذكور وإناث، إلى جانب جثث جنود قُتِلوا في هجوم 7 أكتوبر 2023 وما قبله، ومع المحتجزين إبرهام منغستو وهشام السيد، مقابل ألفي أسير فلسطيني تختارهم تل أبيب، ويتم كل ذلك وسط إعادة تموضع للجيش الإسرائيلي في شمال القطاع.
أما في الثالثة فيقوم الفلسطينيون بإرجاع كل الجثث مقابل أسرى فلسطينيين يكون بينهم عشرة من القادة الكبار لم تحدد أسماؤهم حتى الآن، على أن تبدأ إسرائيل انسحاباً من محور «فيلادلفيا - صلاح الدين» ومعبر رفح، مع إعادة انتشار في غزة، تمهيداً لعودة قوات فلسطينية تحت رعاية أممية وعربية والبدء بإعادة بناء القطاع المدمر.
ويقول المصدر إنه بالنسبة لمصير «حماس» فجرى الاتفاق بين الحركة وقطر ومصر على إرجاء بحث موضوع مستقبل حكم غزة وسط قناعة بأنه لا يمكن لـ «حماس» أن تعود للحكم كما قبل 7 أكتوبر، وأن أحد الاحتمالات المطروحة هو انخراطها في منظمة التحرير الفلسطينية ما يمهد لمشاركتها مستقبلاً في حكم الأراضي الفلسطينية في القطاع والضفة.
وعلمت «الجريدة» أن نتنياهو وجه رسالة شكر خاصة مع رئيس الموساد ديفيد برنيع إلى أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني ورئيس وزرائه وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن وثمن دورهما في التوصل إلى صيغة مقبولة من الجميع. وكان برنيع زار قطر الأسبوع الماضي وهو بصدد إجراء زيارة مماثلة للقاهرة، قبل تجدُّد المباحثات رسمياً في الدوحة لإبرام الصفقة المرتقبة.
وفي بيروت، تشير معلومات إلى أن واشنطن تواصلت مع طهران بشأن الضغط على «حماس» وتحديداً على قائدها في غزة يحيى السنوار للوصول إلى هدنة. وتكشف المصادر المتابعة أنه نتيجةً الاتصالات الإيرانية ـ الأميركية، والأميركية ـ القطرية، أقدمت «حماس» على قبول الخطة المعدلة للرئيس الأميركي جو بايدن حول المراحل الثلاث، وسط معلومات تفيد بأن نقاشات عديدة حصلت بين الحركة وحلفائها في «محور المقاومة» الذي تقوده إيران ليس فقط لبحث هذه الصفقة بل أيضاً لتحضير «حماس» ورقة سياسية شاملة حول «اليوم التالي» ومستقبل غزة.
وحضرت كل هذه الملفات في الاجتماع الذي عُقِد بين وفد من الحركة برئاسة القيادي خليل الحية وأمين عام حزب الله حسن نصرالله. وتؤكد المصادر القريبة من الطرفين أن ما يجري هو نوع من التنسيق والتشاور ولا أحد يملي على الحركة ما تقرره، لكن هناك استفادة من تجارب القوى الأخرى خصوصاً حزب الله الذي مرّ في مثل هذه الحالات لا سيما على الصعيد العسكري إثر «حرب تموز» في 2006، وكيفية تعامل الحزب مع المجتمع الدولي والقرار 1701.
وتشير المعلومات إلى أن الورقة التي تعمل عليها «حماس» ستكون شاملة، وتتضمن رؤية الحركة لإعادة الإعمار وكيفية إنجازه والدول التي ستكون منخرطة فيه، بالإضافة إلى واقع الجسم العسكري للحركة، والذي بحسب هذه المعلومات، ستحتفظ به من دون أن يكون مستفزاً للآخرين، على غرار النموذج الذي اعتمده «حزب الله» بعد حرب 2006 من خلال إخفاء المظاهر المسلحة في جنوب نهر الليطاني، والاحتفاظ بتعزيزاته وجاهزيته.
كما أن بحث الورقة يتناول مستقبل قطاع غزة بالمعنى السياسي، وهنا سيتم التركيز على العمل السياسي وعبر الجمعيات المعنية بالخدمات والمساعدات. أما النقاش الأهم فهو حول كيفية التنسيق مع القوى الدولية والدول العربية وآلية ضبط الوضع في غزة، وما القوى التي توافق عليها الحركة لمراقبة تطبيق الاتفاق وتثبيته لأنه لا يمكن لأي طرف تعتبره الحركة مستفزاً لها أن ينجز هذه المهمة.
وكانت «رويترز» نقلت عن مصدر كبير في «حماس» أن الحركة قبلت مقترحاً أميركياً لبدء محادثات بشأن إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، بما في ذلك الجنود والرجال، خلال 16 يوماً بعد المرحلة الأولى من الاتفاق. وقال المصدر، الذي اشترط عدم ذكر هويته نظراً لسرية المحادثات، إن الحركة وافقت على التخلي عن مطلب التزام إسرائيل أولاً بوقف دائم لإطلاق النار قبل توقيع الاتفاق، وستسمح بتحقيق ذلك عبر المفاوضات خلال مرحلة أولى تستمر ستة أسابيع.
وذكر أن الاقتراح يتضمن قيام الوسطاء بضمان اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار وتوصيل المساعدات وانسحاب القوات الإسرائيلية طالما استمرت المحادثات غير المباشرة لتطبيق المرحلة الثانية من الاتفاق.
وفي تفاصيل الخبر:
غداة عودة الوفد الإسرائيلي للمفاوضات من العاصمة القطرية الدوحة، عقب إجراء مباحثات بشأن الخطوة التي تراهن عليها إدارة الرئيس الديموقراطي جو بايدن لتحقيق اختراق باتجاه وقف حرب غزة المتواصلة منذ 275 يوما، كشف مصدر كبير في «حماس» أن الحركة قبلت مقترحاً أميركيا لبدء محادثات بشأن إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك الجنود والرجال، خلال 16 يوماً بعد المرحلة الأولى من اتفاق مرتقب بينها وبين إسرائيل لإقرار هدنة.
وقال المصدر المطّلع على المفاوضات غير المباشرة والسرية، لـ «رويترز»، إن الحركة وافقت على التخلي عن مطلب التزام إسرائيل أولا بوقف دائم لإطلاق النار قبل توقيع الاتفاق، وستسمح بتحقيق ذلك عبر المفاوضات خلال مرحلة أولى تستمر 6 أسابيع.
وأفاد المصدر المنتمي لـ «حماس» بأن الاقتراح يضمن قيام الوسطاء بضمان اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار وتوصيل المساعدات وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، طالما استمرت المحادثات غير المباشرة لتطبيق المرحلة الثانية من الاتفاق الذي طرح خطوطه العريضة الرئيس الأميركي جو بايدن أواخر مايو الماضي، قبل أن يتم إدخال بعض التعديلات عليه أخيراً.
ويشير موقف «حماس» الجديد، الذي يخفف شروطها لقبول «الهدنة المؤقتة»، بعد أن كانت ترفضها بشكل قاطع إلى رغبتها في استبدال شرط قبول إسرائيل لوقف الحرب بـ «ضمان استمرار انسحاب القوات الإسرائيلية»، عبر إعادة انتشارها خارج المناطق السكنية، مع سريان الوقف المؤقت لإطلاق النار بالمرحلة الأولى، من خلال الإبقاء على طاولة التفاوض بشأن المرحلة الثانية إلى أجل غير مسمى. وفي حال تم للحركة ذلك، فإنه يعني عملياً وقف المعارك التي يراهن عليها الائتلاف اليميني المتشدد في إسرائيل لتدميرها ومنع عودة سيطرتها على القطاع مدنياً وعسكرياً.
فجوات ورهان
في المقابل، تحدث مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن وجود «فجوات بين طرفي» المفاوضات غير المباشرة، عقب عودة الوفد الإسرائيلي الذي ترأسه مدير «الموساد»، ديفيد برنياع، فيما أطلق وزراء اليمين المتطرف بالائتلاف الحاكم تصريحات غاضبة تهدد بتفكيك الحكومة إذا تم وقف الحرب.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤول مطّلع على المحادثات قوله إن مسؤولي «الموساد» أبلغوا الوسطاء بأنهم متفائلون بأن الحكومة الإسرائيلية ستقبل الاقتراح الذي يجري مناقشته حالياً.
لكن موقع والا الاستخباراتي، كشف أن مدير «الموساد» أبلغ الوسطاء القطريين بأن إسرائيل ترفض طلب «حماس» الحصول على التزام مكتوب من الوسطاء بأن المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار يمكن أن تمتد إلى أجل غير مسمى إذا لزم الأمر.
وفي مواجهة تهديدات اليمين المتطرف بتفكيك الائتلاف الحاكم، دعا الوزير السابق بحكومة الحرب، عضو «الكنيست» الحالي، بيني غانتس، رئيس الوزراء إلى اتخاذ قرار شجاع بالتصديق على صفقة تبادل الأسرى «الصعبة والمؤلمة»، ووعد بمنحه مظلة أمان في البرلمان للإبقاء على حكومته، فيما قال النائب البارز غادي آيزنكوت إن الطريق لإعادة المحتجزين «صعبة، لكن لا مفر منها».
وجاء ذلك في وقت كشف استطلاع رأي أجرته القناة 12 العبرية، أن 54 بالمئة من الإسرائيليين يعتقدون أن حرب غزة، المستمرة منذ نحو 9 أشهر، تطول بسبب «اعتبارات سياسية» لنتنياهو.
واعتبر 68 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع أن تعامل رئيس الوزراء مع الحرب التي اندلعت عقب هجوم «حماس» في 7 أكتوبر الماضي «كان سيئا».
زخم ورفض
وحظيت الجهود الرامية إلى التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن زخماً، وسط حديث عن ضغوط أميركية مكثفة على نتنياهو عقب مكالمة أجراها معه الرئيس الأميركي الذي لفت إلى أنه سيعتبر الاتفاق المرتقب «مكسباً سياسياً انتخابياً لإنقاذ حياة الأسرى الذين تحتجزهم حماس».
في موازاة ذلك، أطلعت «حماس» حليفها «حزب الله» على قبولها مقترح بايدن، وأعلن زعيم الحركة اللبنانية القوية ترحيبه بالخطوة التي تمهّد لتبريد جبهة جنوب لبنان.
وفي تطور آخر، أعلنت «حماس» أنها ترفض وجود أي قوات أجنبية في غزة، مما قد يعرقل خطط نتنياهو لحُكم القطاع بعد الحرب.
ضحايا وإغاثة
ميدانياً، تواصلت المعارك العنيفة بين القوات الإسرائيلية وعناصر حركتَي حماس والجهاد في عموم مناطق القطاع، خاصة بالشجاعية والنصيرات والبريج ودير البلح ورفح.
وتسبب القصف الإسرائيلي على مناطق مأهولة في مقتل 25 فلسطينيا أمس، ليرتفع بذلك عدد قتلى الحرب إلى 38098، فيما بلغ عدد المصابين 87705.
وقدّر «المرصد الأورومتوسطي» وجود أكثر من 10 آلاف فلسطيني في عداد المفقودين تحت الأنقاض أو قبور لا تحمل أي علامات مميزة.
وعلى جبهة أخرى، تبادلت القوات الإسرائيلية إطلاق النار مع مسلحين في نابلس وجنين بالضفة الغربية المحتلة، مما تسبب في مقتل شاب وإصابة 9 فلسطينيين بالرصاص.
السيسي والأسد
إلى ذلك، تلقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً من الرئيس السوري بشار الأسد، تناولا خلاله مستجدات الأوضاع الإقليمية، حيث تم تبادل الرؤى بشأن خطورة التصعيد الذي تشهده المنطقة، وضرورة تجنّب اتساع رقعة الصراع وحفظ الأمن والاستقرار الإقليميين، مع التشديد على الرفض التام لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين.
وأكد السيسي مواصلة القاهرة جهودها الرامية لوقف إطلاق النار بغزة، وإنفاذ المساعدات الإنسانية بصورة مستدامة وبالكميات التي تلبّي احتياجات الفلسطينيين، مع استمرار الدفع في اتجاه إنفاذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
السيسي والأسد أكدا ضرورة تجنّب اتساع رقعة الصراع وحفظ الأمن والاستقرار الإقليميين