• ما الرؤى النقدية التي خلصت إليها في دراستك الفائزة جائزة الشارقة هذا العام؟

- تناولت في دراستي مجموعة من الروايات العربية، واستخرجت منها التقنيات السردية المنتمية إلى مرحلة ما بعد الحداثة، واندهشت من قدرة تلك الروايات على ابتكار تقنيات جديدة متفردة، فقد بدا جليًا أن النص الروائي العربي لا يقل في جودته وإتقانه وسعيه نحو التجديد والتجريب عن النصوص العالمية، ويستطيع كل روائي عربي أن يتخذ لنفسه مساره الخاص المتفرد في كتابته.

Ad

فخ لغوي

• ماذا عن لغة البحث العلمي وتأثيرها الواضح على دراستك النقدية؟

- على الباحث أن يفرّق بين اللغة الأدبية التي تكتب بها الأعمال الإبداعية، وبين اللغة العلمية التي تكتب بها البحوث الأكاديمية، لكنّ الباحث في البلاغة والنقد الأدبي يكون محظوظًا، لأنه يتعامل مع نصوص أدبية في المقام الأول، وهذا يُكسب لغته العلمية بعض المرونة وربما الخيال أيضًا، دون أن يقع في فخ اللغة الأدبية الخالصة أو اللغة العلمية المحضة.

أشكال الإبداع

• تردد دائماً أنك لا تميل إلي قصيدة النثر... ما تفسيرك؟

- نعم، لي منشور كتبته عبر صفحتي على «فيسبوك»، قلت فيه: لا أميل إلى قصيدة عمود الشعر، ولا أميل لشعر التفعيلة، ولا لقصيدة النثر، إنما أميل إلى الشعر المدهش، الفارق، المتجدد، أصيل الإبداع، في أي قالب كان، وأرى أن جميع الأنواع يمكن أن تتعايش وتتلاقى. والمفاضلة ينبغي ألا تصبح بين الأنواع، كأن أقول الشعر أفضل من الرواية، أو الرواية أفضل من القصة القصيرة، أو أن المسرح أفضل من الشعر، بل المفاضلة تكون داخل النوع الواحد، كأن أفاضل بين كاتب وكاتب للنوع نفسه، أو أفاضل بين نصوص من نفس النوع للكاتب ذاته، وإن كنت أرى أن النقد الأدبي قد تجاوز فكرة المفاضلة، ففي النهاية ساحة الإبداع تتسع لكل أشكال الكتابة ما دامت متميزة وتحمل الجديد دائمًا.

أطفال فلسطين

• «سعيد كار»، أول نص مسرحي موجّه للأطفال، طرحت من خلاله كيف يجد الطفل العربي عالم أجمل... حدثتا عنه؟

- بالفعل نص سعيد كار، هو أول نصّ مسرحي أكتبه للأطفال، وحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في جائزة علاء الجابر للإبداع المسرحي، الدورة الثالثة، ضمن مسابقة فئة النص المسرحي الموجّه للأطفال (دورة المؤلف الإماراتي سالم الحتاوي) عام 2023، وأهديت ذلك الفوز إلى أطفال العالم عامة وأطفال فلسطين خاصة، وهذا النص يتناول مشكلة عمالة الأطفال، كما يبرز امتلاك الطفل للإرادة والتحدي، حتى يجد الأطفال عالماً أجمل من هذا العالم المليء بالحروب، أكتب لأطفال ربما يواجهون القبح والشر والتطرف والإرهاب، أكتب حتى لا يتم وأد الطفل داخلي.

موروث نقدي

• النقد الأدبي، إلى أين يتجه؟

- النقد الأدبي مثل فروع المعرفة الأخرى، يتأثر بفعل العوامل المحيطة وبمدى إخلاص المعنيين به وكفاءتهم، وفي كل عصر تتخذ المعارف عامة شكلاً ما، ومنها النقد بطبيعة الحال، وبالتالي لا يمكنني الجزم إلى أي تجاه ينحو النقد الأدبي، فهو يتطور بجهود العلماء المتخصصين فيه أكاديمياً من خلال البحث في الموروث النقدي العربي القديم من ناحية، وترجمة النظريات النقدية الغربية من ناحية أخرى، والقراءة الفاحصة المتأنية المعمقة للأعمال الأدبية من جهة ثالثة، بذلك يتطور النقد الأدبي.

انفجار المعرفة

• كيف تصف المشهد الثقافي العربي الراهن؟

- أظن أننا نعيش في عصر انفجار المعرفة وتوفر سبل الحصول عليها رغم تشعّبها، ويوجد الكثير من المثقفين ممن يعقد عليهم العزم ويتوقع منهم الكثير.

• في زمن الماديات والعولمة وصراع الحضارات، برأيك ما هو الدور الذى ينصبّ على الناقد؟

- أولاً، لا بُد من التوضيح أنه لا يوجد أدب نموذج يُحتذى، الأدب النموذج لا يتناسب مع فكرة الإبداع، فالإبداع يتجاوز النماذج ويسعى إلى التجديد فيها، ولا ينصاع لإرادة نموذج ما، بل يصنع المبدع نموذجه الخاص المتطور عن النماذج الأخرى لا الدائر في فلكها، أما الناقد فهو يرصد ويتأمل ويقوم بفعل التحليل والتفسير والتأويل، من دون أن يقيّد نفسه بقوالب صارمة تؤدي إلى تحجّر العملية الإبداعية وترجعها إلى الوراء.

مشروعات

• ما الطموحات والمشاريع التي تشتغل عليها هذه الأيام في مجال التخصص والأدب والنقد لترى النور قريباً؟

- أعمل حالياً على كتابة نص مسرحي يتناول ظاهرة الهجرة غير الشرعية وآثارها السلبية على الأفراد والمجتمعات من منظور فنّي أحاول أن يكون جديدا، ولديّ أيضاً العديد من الأفكار الإبداعية والمشاريع البحثية التي أتمنّى أن أشرع في كتابتها قريباً.

غلاف إصدار «تقنيات سرد ما بعد الحداثة»

فنيات ما بعد الحداثة

حصل الناقد الأدبي إبراهيم أحمد أردش على جائزة الشارقة للإبداع العربي، فئة النقد الأدبي في دورتها الـ 27 للعام الحالي، عن دراسته «تقنيات سرد ما بعد الحداثة في الرواية العربية الجديدة... التمثيلات السردية في الألفية الثالثة».

وقال أردش عن دراسته: إن فنيات ما بعد الحداثة في الرواية العربية الجديدة كثيرة، ويصعب على باحث الإحاطة بها كلها في دراسته، وهذا ناتج عن كون الرواية العربية الجديدة هي رواية التجريب المستمر، ومحاولة البحث عن تقنيات غير مسبوقة تمنحها التفرد والسبق، وقد رأت في الكثير من تقنيات ما بعد الحداثة مبتغاها، فلجأت الرواية الجديدة إلى توظيف تقنيات الميتاسرد، واستخدمت المخطوط وأظهرت الوعي بالفعل الكتابي، واستحضرت المتلقي واعتمدت على اليوميات والمذكرات وموضوعات الكتابة عن الكتابة، كما لجأت الرواية العربية الجديدة إلى التداخل النوعي والأجناسي، فوجد الشعر المكتوب من خلال شخصيات العمل الروائي، وتم توظيف تقنيات المونتاج والسيناريو والحضور السينمائى، والفن التشكيلي والكولاج وتضمين القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً في بناء الرواية، إضافة إلى الحضور المسرحي وتقنيات الكتابة الدرامية، كما أفادت الرواية العربية الجديدة من النصوص التي سبقتها واستدعتها باستخدام التناصّ، واستطاعت أن تستفيد من الواقع الافتراضي وتستجلب تقنياته وتوظفها بطريقة تتناسب وطبيعة الفن الروائي، كما اعتمدت أيضاً على العجائبية وحشد التفاصيل والنسج اللغوي وتلاشي الشخصية الرئيسة والتشظي وتقنية الهوامش، وغيرها من التقنيات الفنية التى يصعب حصرها فى دراسة واحدة.