أسرار ووثائق «بيت بن إبراهيم» (2-2)

نشر في 08-07-2024
آخر تحديث 07-07-2024 | 18:35
 خليل علي حيدر

في كتاب «بيت بن إبراهيم» وثائق وتفاصيل عن علاقة «آل الإبراهيم» وتبرعاتهم لتأسيس أول مدرسة نظامية كويتية، أي «المباركية»، والوثيقة من وثائق أسرة «الخالد»، وهي رسالة «الشيخ جاسم الإبراهيم»، وفيها يفيد بتبرعه بثلاثين ألف روبية لإنشاء المدرسة «ويقترح الاتصال بالسيد محمد رشید رضا صاحب (المنار) للاستفادة من خبرته»، ومن الأهمية بمكان ملاحظة أن مجموع ما تبرع به جاسم الإبراهيم وعبدالرحمن الإبراهيم يصل إلى خمسين ألف روبية، يمثل سبعين في المئة تقريباً من جميع التبرعات التي جمعت. (انظر ص170).

وفي ص171 صورة أخرى معبرة جداً من صور الكتاب تمثل بعض تلاميذ المدرسة، أي تلاميذ المباركية، خارجين للتو من المدرسة، يحملون كتبهم، ويتفقدون دراجاتهم الهوائية استعداداً للعودة الى المنزل! وهي صورة يمكن الاستفادة منها كغلاف كتاب تربوي أو «بوستر»!

يقال إن القرن العشرين «عصر السيارات» كما كان الذي قبله عصر انطلاق القطارات، وفي ص208 ترى صورة سيارة مشابهة للسيارة المهداة إلى «الشيخ مبارك الصباح» من «الشيخ جاسم الإبراهيم»، عام 1912م، وترصد ص240 أول تبرعات أثرياء المنطقة الخليجية للجماعات الإسلامية، وقد أعاد الكتاب نشر ما أوردته مجلة المنار المعروفة عدد 14/ 6 عام 1911 عن تبرع الشيخ جاسم الإبراهيم (قاسم آل إبراهيم) بمبلغ ألف جنيه إنكليزي هو القسط الثاني من تبرعه لـ«جماعة الدعوة والإرشاد» في مصر، التي كانت قد استأجرت القصر الشرقي من قصرين بالروضة، بالمنيل في القاهرة، من وقف علي باشا لتنشئ فيه مدرستها (دار الدعوة والارشاد)، ليكون مركز إدارتها.

اقرأ أيضا

ولكن ما جماعة الدعوة والإرشاد؟ ومتى؟ وكيف أنشئت؟

تقول بعض المراجع «إن عدد الجمعيات الدينية في بداية القرن العشرين بلغ 135 جمعیة». (انظر کتاب د.زکریا بیومي: الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية، القاهرة 1979).

وقد تحدث د.جمال النجار عن جماعة الدعوة والإرشاد في مصر، وبين أن مؤسسها كان الشيخ رشيد رضا (1865-1934) صاحب مجلة المنار المعروفة، والتي كانت تصل الكويت (صحافة الاتجاه الإسلامي في مصر منذ مطلع القرن العشرين حتى نشوب الحرب العالمية الأولى، د.جمال عبدالحي عمر النجار، القاهرة، دار الوفاء، سنة 2000، ص131).

وأضاف د.النجارفي حديثه فقال: «وعندما رأى رشيد رضا فساد المدارس القائمة وخضوع معظمها للاستعمار، وكثرة المدارس التبشيرية في مصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامي، سارع في إنشاء جمعية تسمى: «جمعية الدعوة والإرشاد»، تكون مهمتها الإشراف على مدرسة تحمل اسم، الجمعية، وتهدف إلى تحقيق الإصلاح في ميدان التربية والتعليم، وقد تم له ذلك، وافتتح المدرسة في ربيع الأول 1330هـ 1912م على غرار الكليات التي تهتم بالعلوم والفنون، بالإضافة إلى التربية الدينية والعلوم الإسلامية، وقد توقفت هذه المدرسة مع نشوب الحرب العالمية الأولى». (صحافة الاتجاه الإسلامي، ص131).

وربما اعتبر تبرع الشيخ جاسم الإبراهيم لمدرسة جمعية الارشاد بألفي جنيه إنكليزي أول تبرعات تجار الكويت للجمعيات الإسلامية التي تزايد ظهورها في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين.

جاء في كتاب بيت بن إبراهيم: «كان أول تبرع لمدرسة الدعوة والإرشاد المصرية من الشيخ جاسم الإبراهيم، وذلك في حفل شاي في المدرسة بحضورالأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر وشيخ المذهب الشافعي وكبار علماء الأزهر وعلي باشا أبوالفتوح وكيل المعارف وأحمد زكي باشا كاتب سر مجلس النظار، وطاف جاسم الإبراهيم مع ناظر المدرسة وسأل الطلبة عدة أسئلة فأحسنوا الجواب، وأعجب جاسم بنظافة ونظام المدرسة وسُر بهذا العمل الشريف». (بيت بن إبراهيم، ص241).

وقد أشادت مجلة المنار بهذا التبرع بمبلغ ألفي جنيه انكليزي، واعتبرت التبرع إشارة إلى بعث حياة جديدة في الحافز الديني، بين حوافز أخرى كالجنسية الوطنية واللغوية.

وأضافت المنار مستهجنة أن «كبراء المسلمين بمصر وغير مصر استكثروا واستكبروا هذا السخاء، «وأن يعطي مسلم مالاً كثيراً لخدمة دينه في بلد غير بلده، ووطن غير وطنه لا يرجو به رتبة ولا وساماً، ولا الزلفى من الملوك والأمراء، ولا الجاه والشهرة عند الدهماء»، ودعت المجلة مسلمي هذه البلاد إلى المقارنة مع ما ينفق الإفرنج على مدارسهم ومستشفياتهم وجرائدهم من مئات الألوف من الجنيهات في كل عام». (بيت بن إبراهيم، 242).

وأضاف كتاب بيت الإبراهيم «أن الشيخ جاسم تبرع بتكاليف بناء أول مسجد في لندن بمنطقة (وكنك)، الذي يبدو أنه احتاج إلى تبرعات جديدة قبل افتتاحه عام 1912». (ص244)، كما تبرع الشيخ بمبالغ أخرى في سورية ولبنان وغيرهما.

وتتحدث الصفحات الأخيرة من الكتاب عن إنتاج التمور في مزارع الإبراهيم بجنوبي العراق خلال الحرب العالمية الأولى، حيث يقوم العمال بجمع المحاصيل وتصدير الجيد من التمور إلى أميركا وبريطانيا، وفي ص293 ثمة صورة لطلب جاسم الابراهيم «شراء أرض نخيل والدة السلطان عبدالحميد الثاني العثماني في منطقة الدواسر في العراق، بسعر مئة وثمانين ألف ليرة عثمانية عام 1911، ومساحتها 16 مليون متر مربع»، وهناك في الكتاب صفحة بعنوان «أملاك الكويتيين في ولاية البصرة» وأسماء أصحابها في مخطوطة عبارة عن تقرير كتبه قاضي البصرة «أحمد نور الأنصاري» في بلدة «نايند» على ساحل الخليج العربي ومنها «قطعة سيحان» التي كان قد «اشتراها الرجل الثقة عبدالله بن عيسى بن إبراهيم أحد تجار الكويت بلدة الكويت». (ص303)

وتحت عنوان «أملاك النخيل منعت المجاعة عن أهل الكويت عکس ما حدث في الجزيرة العربية». (ص304) يشير الكتاب إلى ما ورد في تقرير الخبير الاقتصادي الفرنسي (فيتال كينيه) الذي كان بعنوان آسيا التركية حينما زار الكويت عام 1890 وكتب مفصلاً إلى وزارة المالية في إسطنبول يقول فيها «إن معظم السكان في الكويت يعتاشون على المردود وبالعمل في بساتين النخيل خارج البلاد لعدم وجود زراعة يعتمد عليها في الكويت وهي فترات تتوقف فيها أعمال مواسم الغوص على اللؤلؤ».

وفي الكتاب صور عن تقارير بريطانية عن حركة يوسف الإبراهيم ونشاطه السياسي وبحث الانكليز عن رجاله ورصد تحركاته بين البحرين وقطر عام 1897، الى جانب متابعة علاقات يوسف الإبراهيم بعبدالعزيز بن رشید، وقیام جاسم الإبراهيم بجمع تبرعات للدولة العثمانية، وقد أفادت السفارة أو القنصلية العثمانية في بومبي (خطاب السفارة في لندن 26/4/1913) أنه تم تشكيل لجنة في بومباي برئاسة جاسم الإبراهيم في بداية الحرب العالمية الأولى تحت مسمى «لجنة الإعانة العثمانية»، وفي كتاب بيت الإبراهيم، (ص318) وثيقة من إهداء جاسم الإبراهيم وزوجته منيرة الإبراهيم الوسام العثماني في 30 أکتوبر 1913، وجاء في الوثيقة «إن الشيخ جاسم بن محمد الإبراهيم هو من المواطنين العثمانيين المتنفدين في بومباي، ومن أعيان العرب فيها، ولهذا تم منحه مع زوجته السيدة منيرة الوسام المجيدي من الدرجة الثانية، بتوقيع محمد رشاد الصدر الأعظم وناظر الخارجية بتوقيع محمد سعيد، وقد تم منح «وسام الشفقة» للسيدة منيرة، وهو وسام أوجده السلطان للنساء النشطات في مجال الرعاية الاجتماعية والتربوية والتعليمية للأيتام كما سنبين لاحقا».

وكان وزير خارجية الدولة العثمانية، كما تقول الوثيقة (ص319) قد طلب تكريم الشيخ جاسم الإبراهيم وزوجته لتبرعهما وجمع مبلغ أربعة وثلاثين ألف جنيه انكليزي دعماً للدولة العثمانية ومجهودها الحربي، وجاء نص الرسالة المرفوعة إلى رئيس وزراء الدولة العثمانية (الصدر الأعظم) ما يلي: «نص الرسالة إلى مقام جناب الصدر الأعظم أعرض على جنابكم الكريم أن الشيخ جاسم بن محمد الإبراهيم رئيس الجالية العربية الهامة في بومباي، من الأشخاص الخيرين الذين يشاركون بفعالية في أعمال الخير المتنوعة، وهو من المواطنين العثمانيين. وقد وصلت المبالغ المالية التي جمعها من نفسه وزوجته وأقاربه أربعة وثلاثين ألف ليرة (جنيه) إنكليزي، قدمها إعانة للدولة منذ بداية نشوب الحرب البلقانية. ويؤمل منه أعمال وخدمات نافعة للخلافة والسلطنة، ولذلك فإن تكريمه وزوجته بوسام سلطاني عال مطلوب، كما أبلغت بذلك القنصلية (العثمانية) في بومباي». (ص319).

ويمكن النظر إلى السيدة «منيرة الإبراهيم باعتبارها ربما أول سيدة عربية تنال هذا الوسام إن كانت فعلاً كذلك، وهي بالتأكيد أول شخصية نسائية كويتية تبرز على المسرح الدولي في العلاقات الخارجية بعد نيلها وسام الشفقة».

ويقول كتاب «قاموس تركي» من تأليف شمس الدين سامي أفندي، طباعة إسطنبول 1899 عن هذا الوسام بتعريف «دار الشفقة» أنها دار ترعى الأيتام وتشرف على تعليمهم وتربيتهم، وأن السلطان عبدالحميد قد استحدث وساماً بهذا الاسم يعطى للمتميزات والمكرمات من النساء». (انظر: قاموس تركي، ص780).

وقد يقوم الهلال الأحمرالكويتي بمتابعة هذه العلاقة وتدقيق المعلومات من الأرشيف العثماني ويزودنا بمزيد من المعلومات، كما قد تقوم وزارة الخارجية والجمعيات الكويتية النسائية بإبراز دور هذه الشخصية النسائية وحصولها على هذا الوسام الرفيع من الدولة التركية العثمانية، لتعزيز الروابط والعلاقات الكويتية التركية.

حث معد الكتاب الاستاذ خالد عبداللطيف الإبراهيم القراء على عدم التردد في الإشارة إلى كل ما يتطلب التصحيح في هذا الكتاب الوثائقي القيم، وقد لاحظتُ وجود بعض الأخطاء المطبعية وغيرها في بعض الصفحات أود الإشارة إلى بعضها لیتم تصويبها في الطبعة القادمة:

(ص52) السطر الرابع عبارة «هو المالك الأول للمسكر»، ثمة حرف غير مطبوع فيما يبدو... (ص76) ثمة غموض عما هو مقصود بالعدد 15284. (ص100) السطر الثاني، خطأ في عبارة «بنى الشيخ يوسف جامع كبير»... (ص107) السطر الخامس، عبارة «إن رجل غني»، وربما توجد أخطاء أخرى لغوية ومطبعية.

في الختام نوجه الشكر والتقدير للأستاذ خالد عبداللطيف الإبراهيم على الجهد الكبير الذي بذله في إعداد الكتاب وطباعته، حيث غطى الكتاب فراغاً في هذا المجال، كما بين صدوره في اعتقادي عدة أمور أبرزها الحاجة الماسة إلى صدور كتب مماثلة تبين المعلومات التاريخية القيمة الموجودة فى الصور والوثائق، ثم الحاجة إلى مواصلة دراسة كل ما يخص الكويت في الوثائق الكويتية والعراقية ذات العلاقة بالكویت.

back to top