نعلم أن الحكومة تعاني من القلق تجاه انعدام الولاء الوطني وتنامي الانتماءات الحزبية والدينية والقبلية على حساب الحس الوطني ووحدة الهوية الوطنية، ونشعر نحن مثلها بالتوتر بفعل ذلك، ولكننا نعتقد أنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، القضاء على أسباب هذا القلق والتوتر بين يوم وليلة. وأصعب من ذلك أن تكون وسيلة القضاء على هذه الأسباب هي جرّة قلم أو قرارات غير مدروسة هي في حقيقتها رد فعل على معاناة الحكومة أكثر منها سياسات ضرورية للتعامل مع الأحداث.
لقد تفننت السلطات السابقة كثيراً في محو «الهوية» الكويتية وتضييع العادات والتقاليد الكويتية المحلية التي نمت وتطورت في كويت التمدن والانفتاح. وجاهدت السلطات ربما خلال نصف القرن الماضي على تعميم الوعي والانتماء الديني وحتى القبلي وفرضه على المواطن الكويتي. في الوقت الذي تجاهلت فيه تعزيز الوعي الوطني والانتماء الكويتي.
لذا، فإن أرادت الحكومة اليوم أن تستعيد الموروثات الكويتية وتحمي الهوية الوطنية، فإن الطريق الوحيد لتحقيق ذلك... هو في تنمية الانتماء الوطني الذي غُيِّب، وإعادة تعزيز الهوية الكويتية التي مُحِيت.
أي يجب استعادة التعليم بالدرجة الأساسية، أو بشكل أكثر دقة إلغاء «التربية» والعودة إلى التدريس والتعريف، فقد تم اختطاف «التعليم» من قبل الإخوان المسلمين، وتحويله من أداة تنوير إلى وسيلة تغييب وتجهيل، بل وحتى تفرقة وتنافر بين الكويتيين.
وإذا كان التعليم قد عُبِث به من قبل الإخوان، فإن الإعلام أيضاً لم يسلم من استهداف مجاميع التخلف له، فطوال العقود الخمسة السابقة تم إخضاع الإنسان الكويتي للعيش في الماضي والالتزام بعاداته وتقاليده، وحُرِم الكويتيون من الحياة العصرية ومن التعرف على التمدن والرقيّ عبر إلغاء وتحريم المسلسلات والبرامج الأجنبية «الغربية» الراقية واستبدالها بالهابط والرخيص من مسلسلات التاريخ والأمس البعيد.
إن طريق وعملية استعادة الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء الوطني طويل، ولكنه ليس شاقاً، والحكومة تملك السلطة ولديها الوسائل والطرق الكفيلة بتحقيق ذلك، وللتذكير فإن تحقيق ذلك يتطلب العودة إلى العصرنة وإلى الحياة المدنية التي حرصت مؤسساتنا، خصوصاً الإعلامية والتعليمية في السنوات السابقة، على طمسها وتغيير معالمها.