ليس من سبيل المبالغة القول بأن قرار سمو الأمير بتعيين الشيخ صباح الخالد (صباح الخامس) ولياً للعهد هو من أكثر القرارات المفرحة بكل ما احتوته من دلالات وتحرّر من أعراف سابقة في الشكل والمضمون... لم يسبق للكويت مجيء حاكم لم يسبق لأبيه ولا لجدّه الحُكم، وفي هذا توسيع لنطاق اختيار الكفاءات من الأسرة، كما لم يسبق لنا مجيء ولي عهد أصغر سناً من رئيس الوزراء، وإن كان الفارق صغيراً، أما في المضمون وهو الأهم، فإن سيرة سموّه النظرية والعملية هي سيرة مشرفة بتنوعها ونزاهتها، والأهم شجاعته في مواجهة المشاكل ومفتعليها إبان توليه رئاسة 4 مجالس وزراء متتالية في أحلك الظروف، لم يكن المنصب أولويته، فكان فعله متسقاً مع قوله الذي ردده كثيراً «لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك»، شكراً سمو الأمير.
يحيلنا هذا الاختيار إلى الدور التاريخي/ الدستوري لولي العهد في الكويت، فقد كان لولي العهد دور مهم في إدارة الكويت لمدة 42 سنة منذ عام 1961 حتى عام 2003، وذلك بحكم ارتباط المنصب برئاسة مجلس الوزراء، وهو الذي تغيّر بعد ذلك منذ 21 عاماً، ولكن نعتقد أن التحديات العالية التي تواجهها الكويت محلياً ودولياً تقتضي أن يكون سموه عوناً مباشراً لسمو الأمير في العديد من الملفات، فالكويت لم تتأخر فحسب، بل تدهورت على جميع الصُّعُد، المكشوفة والمستترة، وليس هناك شك في أن المنظومة الحكومية الحالية بفلسفتها وهيئاتها وإدارتها ولغتها ولجانها وأدواتها أدنى بكثير من أن تتصدى للتطلعات العالية للشعب الكويتي وقيادته.
وعلى هذا النهج في اختيار أهم منصب بالكويت، تحدونا الأماني بأن يستمر ذات النهج في التحرر من أغلال الأعراف والبروتوكولات غير النافعة، والتي باتت عبئاً على النهوض، تحدونا بتوسيع نطاق اختيار القيادات استناداً على الكفاءات لا الولاءات، على السِّيَر العملية لا النظرية التي جعلتنا أكثر شعوب العالم حملاً لشهادة الدكتوراه «مع احترامنا للكفاءات منهم»، وعلى تكافؤ الفرص بين الجنسين بدلاً من الاكتفاء بالتمثيل الشرفي للكفاءات النسائية، والأهم البدء بثورة إدارية شاملة لمؤسسات الدولة تضع المستقبل نصب عينيها، هو مفترق طرق لم ولن يتكرر في تاريخ الكويت بظروف شديدة الاستثنائية لا يوجد بها أي مبرر للفشل، نعلم بأن الطريق طويل ووعر، ولكن أجمل ما به أملنا أن الصباح آتٍ بعد أن طال المساء!