يتحسّر نجيب محفوظ على الماضي الجميل، فلم يبق له في رواية «قشتمر» غير الذكريات.

يسأل عن العباسية القديمة... «أين البيوت ذوات الحدائق الخلفية؟ أين السرايات والقلاع...؟ هل نرى اليوم إلا غابات من الأسمنت المسلح ومظاهرات من المركبات المكنونة؟ هل نسمع إلا الضجيج والضوضاء؟ هل تحدق بنا إلا أكوام الزبالة؟! كلما ضنّ الحاضر بنبأ يسر هرعنا إلى الماضي نقطف من ثماره الغائبة».

Ad

الأسى على تلاشي الماضي لا تدركه أجيال الآيفون والتسكع في الشوارع والمولات، العجائز والكهول إذا لم تصبهم «ديمنشا» (الخراف) ليس لهم غير الماضي يلجأون إليه «يقطفون من ثماره» هو عزاء من غير جلسة لتلقّي التعازي، الذكريات بهجة سريعة وحزينة في آن واحد تختلج بجوف حسرات العمر الآفل.

الذكريات التي لم نعد نملك غيرها هي «تدفئك من الداخل، ولكنها تمزقك أشلاءً أيضاً» بتعبير هوراكي موراكامي في رواية «كافكا على الشاطئ». الروائية مارغريت أوتوود تصف العمر في حكاية الجارية «أشبه بمصعد قُطعت حباله في الطابق الأخير، فيهوي ويهوي دون أن تعرف متى ترتطم...».

لا تسلية ولا عزاء لمَن هم في خريف العمر إلا الغرق في أحلام ربيع لن يعود، في كويت النفط الزائل المخدر للوعي التاريخي، في كويت السيارات المسرعة، والكوفي شوبس، ومقت القراءة الجادة، والغرق في تفاهات التغريدات، تم ببلاهة دفن هوية البلد وتراثه تحت أسمنت حداثة الخواء النفطية.

هي حداثة مديكورز ليست أصيلة، لا إبداع، لا خلق جديد، تم تدمير القديم ولم يعرف مَن خطط للبلد كيف يبني للجديد، محاكاة استهلاكية صرفة، حتى القرية التراثية - وهي بحد ذاتها محاكاة ضحلة - تلك المباني غير المكتملة على شارع الخليج عجزت الإدارة عن إكمالها... مشكلة مع المقاول... مشكلة مع الوزير القديم أو الجديد الذي صبّ في قوالب كل الوزراء والقياديين، مشكلة ورق ومكاتبات ومخالفات وأوراق رسمية غير كاملة.

ليس لنا غير نسج حروف الذكريات بكلمات في عالم الأحلام... في بلد مازال يغط في الأوهام والتسويف... ما العمل؟... لا أنتم تدرون، ولم نعد بدورنا ندري... دعوها ماشية سماري، ودعونا نسبح في غيوم الأمس.