بين النيل والليطاني... يا قلبي لا تحزن
ستبدأ المرحلة الخامسة من ملء سد النهضة الإثيوبي نهاية شهر يوليو 2024 وتستمر حتى سبتمبر المقبل، وسيتم سحب 23 مليار متر مكعب إضافية من مياه النيل، والمحصلة أن 14 عاماً من المفاوضات انتهت إلى الفشل، فتصريح رئيس الوزراء الإثيوبي كان رسالة واضحة لمن يعنيهم الأمر «ملء السد لن يكون محل نقاش بعد الآن».
واضح أن مصر ومعها السودان خسرا معركة السد وإلزام إثيوبيا باتفاقية محددة وواضحة، وكل ما تتمناه الدولتان أن تتم تعبئة السد على فترة زمنية طويلة لا كما تقرر أديس أبابا خلال ثلاث سنوات... ليس ذلك فقط بل هناك خطط تعمل على تنفيذها بحسب تقرير أعده الزميل مجدي مصطفى في موقع «الجزيرة نت» لتشييد ثلاثة سدود جديدة تحتاج إلى 80 مليار متر مكعب من المياه وهي كمية تزيد على كمية سد النهضة.
انتهت نغمة قرع طبول الحرب بسبب حجز المياه عن مصر والسودان، وعدنا إلى نقطة الصفر، وهذا يستدعي معرفة، أين يكمن الخلل لدى الجانب المصري؟ واضح أن الملف بأكمله ومنذ بدايته جرى التعامل معه في إطار سياسي وإعطاء أجهزة أمنية دوراً على حساب الخبراء الفنيين وأصحاب الكفاءات العلمية وهم بكثرة وفي بلد منحه الله «هبة النيل» وفيه جامعات وكليات زراعية تخرج الآلاف، ليس ذلك فقط، بل مصر تملك كفاءات على درجة عالية من المهارات اكتسبتها من أيام بناء السد العالي ومشاريع الري والزراعة ولها باع طويل في تصدير الخبراء الفنيين المهرة في مجال الري والزراعة والسدود إلى بلدان إفريقية استفادت من تلك الخبرات.
الفشل في إدارة ملف المياه لبلد مثل مصر يماثله فشل آخر نجده في لبنان، بلد الـ14 نهراً وهي من الأنهار الكبيرة وصَفتهُ البعثة الجيولوجية الفرنسية بأنه «بلد المياه في الشرق الأوسط» وقال عنه أهم خبير مياه وهو إبراهيم عبدالعال «جبالنا مخازن حقيقية للمياه»، في حين أن فلسطين المحتلة، ليس فيها من شمالها إلى جنوبها نهر واحد كما يقول الخبير اللبناني د.سمير زعاطيطي، أستاذ الهيدروجيولوجي، سوى نهر الأردن الذي ينبع من مرتفعات الجولان ولبنان وينزل على الحدود بينه وبين الأردن، فهذا التوزيع الجغرافي أدى إلى أن يكون لبنان مخزناً كبيراً للمياه الجوفية والسطحية، فهذا البلد يتساقط عليه سنوياً 10 مليارات متر مكعب من المياه، ومن أصل هذا الرقم يستخدم 4.4 مليارات من المياه الجوفية والباقي يذهب هدراً بالتبخر أو إلى البحر! في حين أن معظم اللبنانيين يشتكون من انقطاع المياه وعدم توافرها، في أيام الحرب وأيام السلم، والسبب سوء إدارة وفساد سياسي.
وعلى حد تعبير الخبير اللبناني فقد عملت المنظومة السياسية على السكوت عن سياسة «السدود الفاشلة» وأصبح المواطن اللبناني يعيش على المولدات التي تعمل بالمازوت للحصول على الكهرباء والمياه من خلال توصيلها بالتناكر، وهناك فساد فاحش وإدارة متخلفة وجهل عند المسؤولين عن ثروة لبنان المائية.
لا صوت يعلو فوق صوت الطبقة السياسية المنخورة بالفساد، فأهل الاختصاص مغيبون وبالأحرى أصحاب الرأي الحر وغير المحسوبين على طائفة أو حزب أو تيار سياسي، بقيت صرخة الدكتور سمير دون صدى وليس هناك من يستجيب، فقد سمعته يوماً يقول «لقد تخلى حكام لبنان عن غازنا ونفطنا للعدو وثروتنا المائية تذهب هدراً»، والتيار العوني يريد استكمال جريمة إنشاء سد «بمرج بسري» وهو السادس على لائحة السدود الفاشلة!