تابعت اللقاء التلفزيوني لوزير المالية الذي تعرض فيه لعدة نقاط مهمة تخص تطوير المالية العامة للدولة، وإعادة النظر في الدعوم وأسعار الأراضي، ووقف الهدر، ووضع سياسات اقتصادية لتنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل، وزيادة الإيرادات غير النفطية، وتعزيز الشراكة مع الصين ودول المنطقة وغيرها من التوجهات والمبادرات التي تم تداولها في اللقاء بشكل سهل ومبسط بما يتناسب مع عامة الناس.

أما المتخصصون من أمثال الصديق العزيز بوناصر الذي بدأ معي هذا الحوار الاقتصادي رغبةً منه في المساهمة في إثراء اللقاء الوزاري والخوض أكثر في تفاصيله وخطواته، فطرحنا عدة تساؤلات فنية وتبادلنا مجموعة من الآراء العلمية، وانتهينا إلى توسعة محاور اللقاء بحزمة من المقترحات والتوصيات الاقتصادية التالية:

Ad

أولاً: تنويع مصادر الدخل لا يكون إلا على أساس تنويع الناتج، وهذا يتطلب إصلاحات اقتصادية هيكلية واسعة مع التركيز على تنمية مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج، ويكون ذلك على أساس تقليص الواردات بشكل تدريجي، فالواردات بهيكلها القائم معوق كبير للإصلاح والنمو الاقتصادي.

ثانياً: اختلال هيكل الواردات لصالح السلع الاستهلاكية واستنزافه للعملة الصعبة، ونموه المطرد ينبغي أن تكون معالجته من الأولويات، فهل تم تحديد تسلسل لأولويات الإصلاح المالي والاقتصادي؟

ثالثاً: تنويع الإيرادات وترشيد الإنفاق مهم، ولكن أثره محدود في معالجة العجز المتنامي، والمطلوب هو معالجة متعمقة لتقليص تدريجي في الإنفاق الجاري والتوسع في الإنفاق الرأسمالي لضمان إيرادات وعوائد مجزية، فهل سيتم لاحقاً احتساب العوائد الاستثمارية ضمن الإيرادات غير النفطية في الميزانية العامة؟

رابعاً: اختلال المالية العامة لصالح الإنفاق الجاري والعجوزات المتوقعة والإيرادات غير المحصلة والتحويلات الخارجية للأجانب لانعدام القنوات الاستثمارية المحلية، وغياب سوق السندات وقوانين الدين العام يطرح سؤالاً مهماً: كيف سيتم تمويل المشروعات الكبرى؟ هل سيتم تنظيم سوق للسندات والصكوك، والتوسع في الشراكة مع القطاع الخاص بنظام BOT وجذب المستثمر الأجنبي والاستثمارات الخارجية وربطها بالمشاريع الممكّنة لسياسات تنويع الاقتصاد، كميناء مبارك وسكك الحديد والمنطقة الشمالية، وتطوير جزيرة فيلكا سياحياً، ودعم القطاع الصناعي والزراعي والغذائي عن طريق الأذرع المالية للدولة كالهيئة العامة للاستثمار بالتعاون مع صناديق الاستثمار الأجنبية؟

خامساً: المعالجات الجزئية أثرها محدود، والمطلوب برنامج إصلاح اقتصادي مالي متكامل أساسه معالجة الاختلالات والتنويع مع التركيز على القطاعات الإنتاجية وسياسات نمو تشغيلية ومستدامة بالشراكة مع القطاع الخاص وشركاته المدرجة والمنتجة.

سادساً: التخطيط الإنمائي أمر ملح لإدارة الاقتصاد والتنمية إلا أن تحديات توفير مقوماته الفنية صعبة، ولكن ليست مستحيلة في ظل المعطيات الحالية والمتطلبات التالية:

1- إحداث نقلة نوعية في التخطيط الإنمائي، من خلال تخطيط تأشيري مبني على النمذجة، وإنشاء إدارة خاصة بالنمذجة بما لا يتعارض مع اقتصاد السوق.

2- إعداد الحسابات القومية بمواعيدها.

3- إعداد نموذج الحسابات الاجتماعية وجدول المدخلات والمخرجات.

4- إعداد نموذج حاسوبي للتوازنات الكلية CGE.

5- إعداد خريطة استثمارية.

6- إعداد خطة التنمية التأشيرية وفق تلك المرتكزات، وهذا يتطلب إعادة نظر في المنظومة الحالية للتخطيط.

سابعاً: مؤشر النمو الاقتصادي من أهم مؤشرات قياس أداء الاقتصاد، وينبغي أن يكون بتقديرات وحسابات وسياسات متخصصة ودقيقة، بحيث تجيب عن التساؤلات المرتبطة بشكل سياسات النمو في كل مرحلة؟ وتوقعات النمو في المستقبل المنظور؟ ومدى جودته واستدامته؟

ثامناً: احتساب معدل التضخم بأسلوب علمي دقيق وواقعي وبشكل دوري أمر في غاية الأهمية للسياسات النقدية وسياسات النمو، فمعدل التضخم إما أن يكون معززاً للنمو أو كابحاً له، لذلك دقة احتسابه ستحسن من رسم السياسات الاقتصادية.

تاسعاً: قد يكون من المفيد إعادة هيكلة الإدارات والهيئات المسؤولة عن السياسات النقدية، والسياسات المالية، وسياسات الاستثمار، وسياسات النمو، لضمان الحرفية والاستقلالية، وتمكين الكفاءات الوطنية، على أن توزع هذه الاختصاصات في إطار من التنسيق الفعال، وضمن خطة تنموية تحدد الأدوار بدلاً من دمجها في جهة واحدة، والتعاطي معها بنمطية وبيروقراطية لا تتناسب مع ديناميكية المتغيرات الاقتصادية العالمية، ولا تحاكي الشراكات والاتفاقات الدولية مع جمهورية الصين الشعبية.

عاشراً: نقترح حوكمة مصروفات الجهات الحكومية في الصرف والتحصيل، من خلال ربطها بخططها الاستراتيجية والتشغيلية على أن تكون ضابطة لمصروفاتها بحيث تتم مطابقتها مع بنود الميزانيات التابعة لها.

وفي الختام، نضع توصيات ومقترحات هذا الحوار الاقتصادي تحت تصرف وزير المالية ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، ونقترح عليه وضع استراتيجية للتحول المالي والرقمي والإداري والهيكلي للوزارة والهيئات والصناديق التابعة لها لتمكين فريق العمل الوزاري، أو اللجنة الوزارية العليا المنوط بها مسؤولية قيادة التغييرات والتحولات المطلوبة في الوزارة، من مواجهة تحديات الإصلاحات الاقتصادية والمالية ابتداءً من العجوزات الحالية والمستقبلية، وكيفية تحويلها إلى فوائض تعزز متانة واستدامة مالية الدولة.