أمس خلصنا إلى أن الآباء المؤسسين اختاروا لنا المعرفة، وفضّلوا «التعريف» على التلقين أو التعليم، واختاروا التدريس على التربية التي نعاني من ويلاتها هذه الأيام، كما اختاروا برحابة صدر المسيحي متى العقراوي كي يتولى رعاية أبناء الكويت، ونشر الوعي والمعرفة بالعلوم بينهم... هذه كانت البداية، عندما كنا عروس الخليج ودرته، عندما كان الآباء المؤسسون هم مَن يقودون ويقررون.
لكن اليوم، بل منذ الأمس القريب، وبالتحديد منذ حل مجلس الأمة سنة 1976 انقلبت الآية، وأصبح أبناء الكويت يُلقنون المعرفة ويُحفظون العلم، وتتم تربيتهم على التسليم والخنوع، على العكس تماماً لما خطط وأعد له أهل الكويت.
بفعل تواطؤ وتراخي السلطة هيمنت المجاميع الرجعية على البلد، ووضعت يدها على المناهج وطرق التدريس بشكل خاص، وانتقلنا من الثقة العمياء بالمسيحي النبيل إلى تحريم تجنيس غير المسلمين، ومن نشر الثقافة العصرية وتعميم المعرفة إلى الحجر على العقول وتحريم التفكر وسجن الباحثين والعلماء، استبدلنا الدكتور بالشيخ، متى العقراوي بعبدالرحمن عبدالخالق، والسلام الأميري بدعاء الركوب، ومن يومها ما ترقعنا، توقف نمونا وتقدمنا المفترض، بل جرتنا مجاميع التخلف جراً إلى الخلف، إلى الماورائية وعصور الظلمات وخزعبلات الرواة، منذ النصف الأخير من سبعينيات القرن الماضي، أي منذ أن حل مجلس الأمة عام 1976 ونحن نتراجع سياسياً واجتماعياً وثقافياً.
اليوم ونحن نترجى الخلاص على يد حكومة الشيخ أحمد العبدالله فإننا لا نطلب المستحيل ولا حتى الكثير، فجل همنا أن نعود «القهقرى» إلى كويت الأمس. كويت التحرر والانفتاح، كويت نزار قباني والبولشوي، كويت الفلامنغو وقوقوش وندوة أزمة التطور في الوطن العربي، كويت الترويح السياحي، كويت جاسم يعقوب وعبدالحسين عبدالرضا، كويت مهرجانات الأحمدي واليوم الرياضي بثانوية الشويخ، نعم لنتخطى كويت الجمود والتقهقر، كويت التربية والتلقين، كويت المسابقات الدينية، كويت الينانوة والسحرة، كويت عبدالرحمن عبدالخالق ويوسف القرضاوي... وكل اللي عليك يا رئيس حكومتنا إنك «تقطه قري».