الحديث عن محمد العدساني، هو حديث عن حقبة التحول الحرجة، والحاسمة، والطموح الذي لا حدود له، وحجم التأثير المفترض، والتركيز على التفاصيل، لاستكمال المبادئ.
وحيث إن حياته زاخرة بالمناصب، كرئيس لمجلس الأمة، ووزير وسفير، وهي مناصب معروفة للكثيرين، إلّا أن أقلها ذكْراً هو رئاسته للمجلس البلدي من عام 1964 حتى حله عام 1966.
خاض العدساني أول انتخابات لمجلس الأمة عام 1963، ولم يفُز. ويبدو أن هناك علاقة بين وجود مجلس الأمة، وزيادة صلاحيات المجلس البلدي، فما إن بدأ «الأمة» أعماله عام 1963، حتى عاد «البلدي» بصلاحيات أوسع من سابقه الذي كان قد تعرّض لأزمة سياسية حادة.
في 11 يونيو 1964 جرت انتخابات 10 أعضاء للمجلس البلدي، وكانت المفارقة تعيين العدساني ضمن ال 6 أعضاء، ومن ثم انتخابه رئيساً.
منذ تولّى مهمته، استخدم الأسلوب العلمي في إدارة الشؤون البلدية، معتمداً على الدراسات المتوافرة، التي كان من أبرزها دراستان طلبتهما الحكومة من البنك الدولي، ودراسات أخرى لخبراء أكدوا ضرر التوسع في التثمين دون حاجة ماسّة إليه.
ويوضح أبو وائل: «بدأنا بمحاولة التعرف على الإدارات التي يتوجه لها المراجعون أكثر من غيرها، لنكتشف وجود فضوليين، اتضح أنهم يسعون لمعرفة اتجاهات التنظيم والتثمين تحديداً، فأدركت حينها خطورة المسألة، حيث اكتشفنا أنهم وكلاء لبعض (تجار التثمين) الذين كانوا يستخدمون تلك المعلومات، ويشترون البيوت، التي عليها تثمين، دون إبلاغ أصحابها، ويطلبون منهم الاستمرار بالسكن في المنزل، ويتم بيع البيت عن طريق توكيل، ويسعون لرفع قيمة التثمين عبر علاقاتهم».
وعلمت أنهم يفعلون ذلك كي لا تتكرر أسماؤهم في كشوف التثمين، وقد أكد لي ذلك أيضاً إنسان فاضل آخر، هو أحمد البشر الرومي، مسؤول أملاك الدولة، لحين تقاعده عام 1968، شارحاً ظروف فضيحة تزوير وثائق الأراضي، ولذلك حديث آخر.
ويؤكد أبو وائل أنه كان يتعامل مع التثمين كإحدى السياسات العامة للدولة، ليكتشف درجة خطورتها على الوطن، وقد أوضحت الدراستان الدوليتان، وتقرير الخبراء، ضرر التثمين على الاقتصاد الكلي، فإضافة إلى الممارسات غير السوية لتجار التثمين، التي تتطلب معالجة، فقد مثّلت تلك الدراسات المرجعية العلمية لعملية الإصلاح.
ويوضح: «عزمتُ على إيجاد حل نهائي للتثمين، وربط ذلك بالمنظور التنموي» إلا أنّ الأمر لم يكن بتلك السهولة. كما سيتضح لاحقاً.