تقرير اقتصادي| إقرار الميزانية يناقض مخاوف وزير المالية

متضخمة وعالية المخاطر ولا تحمل أي رسالة بشأن وقف الهدر والترشيد
• فرضية صدور قرارات إصلاحية في غياب الضغوط الشعبوية تسير باتجاه معاكس

نشر في 11-07-2024
آخر تحديث 10-07-2024 | 23:17
محمد البغلي
محمد البغلي

مثّل إقرار مجلس الوزراء الأسبوع الماضي الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2024 - 2025 اتجاهاً معاكساً لكل خطابات الإصلاح الاقتصادي والمالي الحكومية.

فالميزانية الجديدة لم تختلف في حجمها وفلسفتها، فضلا عن أبواب مصروفاتها أو إيراداتها، عن أي ميزانية سابقة، ليس فقط من جهة ارتفاع المخاطر بنمو الإنفاق على الرواتب والدعوم والمشروعات محدودة العوائد للاقتصاد أو الارتهان للنفط، إنما أيضاً دون أدنى جهد يبين أي درجة من النوايا الإيجابية لوقف الهدر المالي، إذ أقرت الميزانية كما وردت من الحكومة قبل السابقة بقيمة إجمالية بلغت 24.555 مليار دينار، والتي اعتمدتها الحكومة السابقة وقبل السابقة لتأتي الحكومة الحالية وتصدرها بقانون كما هي من جهة المصروفات المتضخمة، مع فرضية عجز متوقعة بـ 5.63 مليارات دينار، بعد تعديلات حصة الكويت في الإنتاج النفطي ضمن مجموعة «أوبك بلس».

الإنفاق المنفلت أمام تحديات سوق النفط عقب اتفاق «أوبك بلس» على بدء التخلي عن تخفيضات الإنتاج الطوعية

تنقية المصروفات

ومع تأكيد أن الإصلاح الاقتصادي والمالي ليس مجرد قرار، بل سياسة عامة، لم يكن المطلوب إصلاحاً جذرياً يشمل أوجه الاختلال، الذي تعكسه الميزانية، بل على الأقل اتخاذ خطوات تعطي انطباعاً بجدية التعامل مع انحرافات الميزانية، مثل تنقية المصروفات غير الضرورية البسيطة، كمصروفات الدورات والمؤتمرات والاحتفالات وإيجارات المباني وتكاليف القياديين وغيرها، كي تكون بداية أولية للتوسع في ضبط الإنفاق العام، بالتوازي مع عمليات إصلاح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد، وأهمها سوق العمل، والتركيبة السكانية، وما يرتبط بهما من تركّز المصروفات الجارية في الميزانية.

لا ضغوط

وإقرار الميزانية الجديدة كان شأناً مرتبطاً بالصلاحيات الكاملة التشريعية والتنفيذية المقررة لمجلس الوزراء بما يعني أن الظروف التي صدرت فيها الميزانية خالية من أي ضغوط شعبوية طالما ألقي عليها أعباء ضعف مهنية الميزانيات السابقة، إذ ضيع مجلس الوزراء فرصة متاحة لبدء الإصلاح المالي والاقتصادي، ولو بشكل أوّلي.

وبالنظر إلى بيانات ميزانية 2024 - 2025، التي تعد ثاني أعلى إنفاق بتاريخ البلاد بقيمة 24.5 مليار دينار - بعد ميزانية العام الماضي المتضمنة بنوداً استثنائية غير ضرورية مثل تكاليف بيع الإجازات وارتفاع تكاليف تأمين عافية - سنجد أنها كررت كافة الانحرافات المالية والاقتصادية المعتادة لموازنات الكويت عبر عقود طويلة أو حتى سنوات قصيرة ليس فقط بشأن محدودية الإيرادات غير النفطية، التي يفترض أن تعبّر عن كفاءة العمل الاقتصادي في البلاد، وأثره على الإيرادات العامة إذ بلغت 14.1 بالمئة، إنما أيضا في ارتفاع المصروفات الجارية التي استحوذت على 78.9 بالمئة من إجمالي المصروفات العامة لمصلحة بندَي المرتبات والدعوم.

الميزانية الجديدة لم تتخذ حتى خطوات تعطي انطباعاً بجدية التعامل مع انحرافات بسيطة مثل تنقية المصروفات غير الضرورية

وقد ارتفعت مخاطر الميزانية العامة للدولة منذ جائحة كورونا، عندما تخلت الدولة عن اقتطاع نسبة الـ 10 بالمئة المقررة من إيرادات النفط لمصلحة صندوق احتياطي الأجيال، وهو إجراء دفاعي ضروري متوقف منذ 4 سنوات، ولم يُستقطع سوى 1 بالمئة فقط منه خلال السنة المالية الماضية، ليختفي مجدداً في الميزانية الحالية، وهذا يعني من جانب رغبة أكثر في صرف المزيد من الأموال من دون ادّخار أو استقطاع مستقبلي، ومن ناحية أخرى خفض درجة التحوط تجاه تقلبات الأسواق وآثارها على استثمارات الصندوق السيادي.

تحذيرات الوزير

والمطّلع على بيانات الميزانية، يكتشف أنها بعيدة تماماً حتى عن تحذيرات وزير المالية نفسه الذي توقّع الأسبوع الماضي أن تواجه الكويت عجوزات متراكمة لـ 4 سنوات مقبلة تبلغ قيمتها الإجمالية 26 ملياراً.

وكان من المفترض أن تعكس هذه الميزانية، والتي أخذت وقتاً طويلاً ما بين الإعداد الى الصدور بقانون نحو 9 أشهر، جانباً من هذه المخاوف، إما بخفض المصروفات أو على الأقل إعادة تحويل 10 بالمئة من إيرادات النفط لمصلحة صندوق احتياطي الأجيال كنوع من التحوط، فضلاً عن العمل على وضع سقف لمصروفات الميزانية لا يمكن تجاوزه للسنوات الـ 4 المقبلة، كي تبدي الإدارة العامة نوعاً من الجدية في الإصلاح مادامت تمتلك كل الاختصاصات التشريعية والتنفيذية... لذلك يمكن القول، إن الميزانية التي أقرها مجلس الوزراء الأسبوع الماضي لا تعبر إطلاقاً عن المخاوف التي أبداها وزير المالية في حديثه التلفزيوني، وهي العجز والاستدامة والإصلاح الاقتصادي.

تطورات النفط

ومع تأكيد استحالة استدامة ميزانية بهذا القدر المنفلت من الإنفاق بما يجعل سعر التعادل في الميزانية العامة للدولة يبلغ 89.8 دولاراً للبرميل (سعر الأساس 70 دولاراً) فمن المهم الالتفات إلى أوضاع سوق النفط على المديين القصير والمتوسط، خصوصاً مع تخلي مجموعة «أوبك بلس» التي تسيطر على 55 بالمئة من الإمدادات عالمياً و90 بالمئة من الاحتياطي العالمي من النفط عن التزامها بتخفيضات الإنتاج الطوعية الإضافية البالغة 2.2 مليون برميل يومياً اعتباراً من أكتوبر المقبل وعلى مدى عام كامل... وهو ما يشكّل ضغطاً على عامل أدى دوراً محورياً إلى جانب التوتر الجيوسياسي كالحرب في أوكرانيا أو العدوان على غزة في رفع أسعار النفط منذ جائحة كورونا قبل 4 سنوات، مما قد يفتح المجال لتوقعات عجز لسنة أو 4 سنوات مقبلة أعلى حتى مما قدّره وزير المالية، ولم ينعكس على سياسات وزارته أو حكومته الاقتصادية!

back to top