بينما تترقب الجهات الدولية والإقليمية ما ستسفر عنه المفاوضات غير المباشرة بين طرفَي حرب غزة التي انطلقت في الدوحة أمس، بمشاركة وفد أميركي وآخر مصري لسد فجوات اتفاق تبادل محتجزين، وإقرار هدنة لوقف القتال المتواصل منذ 278 يوماً، ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة راح ضحيتها 50 شخصاً، بعدما قصف مدرسة تابعة للأمم المتحدة تؤوي نازحين ليل الثلاثاء ـ الأربعاء، بزعم استهداف مسلح من الذراع العسكرية لـ «حماس»، قال إنه شارك في هجوم «طوفان الأقصى» الذي أطلق شرارة الحرب الدائرة منذ 10 أشهر.

وبرر الجيش الإسرائيلي ضربته على مدرسة العودة بعبسان شرق خان يونس، التي تعد رابع غارة تطول مؤسسة تعليمية تؤوي نازحين برعاية الأمم المتحدة في غضون 4 أيام، بأنه استهدف بالقرب منها «إرهابياً من الجناح المسلّح لحماس» بأسلحة وصفها بالدقيقة من مقاتلة حربية، مضيفا أنه «بصدد التحقّق من المعلومات التي تفيد بإصابة مدنيين» أغلبهم من النساء والأطفال.
Ad


في المقابل، اعتبرت «حماس» أن «مجزرة مدرسة العودة ضربة متعمّدة وإمعان في حرب الإبادة والمجازر من حكومة الإرهاب الصهيونية»، داعية إلى «النزول للشوارع والميادين في مسيرات غضب».

وجاءت مجزرة خان يونس بالجنوب في خضمّ تصعيد كبير للعمليات العسكرية التي يشنّها جيش الاحتلال في شمال القطاع، إذ أسقط منشورات تأمر جميع سكان مدينة غزة، مركز القطاع الذي يحمل الاسم نفسه، بإخلاء أحيائهم أمس والنزوح باتجاه وسط المنطقة المحاصرة.

إدانات وتحذيرات

وتسببت المجزرة الجديدة في موجة إدانات دولية، إذ اعتبرت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا أن الضربة الإسرائيلية أمر «غير مقبول»، داعية إلى إجراء تحقيق في الحادث.

وأكدت برلين ضرورة أن تتوقف الهجمات المتكررة على الملاجئ، فيما كشف مفوض وكالة أونروا، فيليبي لازاريني، عن قيام إسرائيل بقصف ثلثي مدارس الوكالة.

وفي عمان، دان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، خلال مؤتمر مشترك مع نظيره المصري الجديد، بدر عبدالعاطي، الهجوم على «العودة».

وشدد الصفدي على أن الجيش الإسرائيلي ارتكب جرائم حرب غير مسبوقة في العصر الحديث، مشيراً إلى أن الأردن يساند مصر في مطالبتها بضرورة خروج القوات الإسرائيلية من معبر رفح، بين غزة وسيناء، حتى تتدفق المساعدات إلى القطاع الفلسطيني عبره. وأشار الصفدي إلى أنه «لا يمكن أن نترك مصير المنطقة في أيدي حكومة إسرائيلية متطرفة، ولا شيء يبرر عجز المجتمع الدولي عن إدخال المساعدات» للقطاع الذي يعاني المجاعة.

من جهته، حذّر عبدالعاطي من استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة ومحاولة تهجير سكانها، تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية، ولفت إلى مخاطر التصعيد وزعزعة الاستقرار في لبنان ودخول المنطقة بحرب شاملة، في ظل استمرار تبادل الضربات بين «حزب الله» وإسرائيل.

في موازاة ذلك، أكد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أن المملكة طالبت بوقف فوري لإطلاق النار، مشيراً إلى أن الحرب في غزة «تذكير بحجم التكلفة الباهظة للصراع، والحاجة إلى حل دائم يحفظ حقوق وكرامة كل الأطراف».

مزاعم وخلافات

في غضون ذلك، زعم وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن 60 بالمئة من مقاتلي «حماس» قُتلوا أو أُصيبوا نتيجة الحملة العسكرية على القطاع. وذكر أن الجيش الإسرائيلي فكك أغلبية كتائب الجناح العسكري للحركة الإسلامية وعددها 24. وادّعى أنه «لا يوجد ملجأ ولا مكان آمن لأولئك الذين شاركوا في هجوم 7 أكتوبر، فإما السجن أو المقبرة. الأمر لا يتعلق هنا بمعركة أو حرب، هذا يتعلق بأسوأ انحطاط إنساني، من خلال أفعال هؤلاء الحيوانات البشرية، وسوف نحاسبهم».

في سياق قريب، كشف تقرير عبري استند إلى شهادات جنود شاركوا في الحرب المدمرة على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، أن الجيش الإسرائيلي فتح النار على المدنيين «بشكل عشوائي، ودمّر المنازل بإشعال النار فيها، وترك الشوارع مليئة بالجثث».

ووسط اتهامات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمحاولة عرقلة التوصل إلى اتفاق مع «حماس» قد يفضي إلى إنهاء الحرب ويشكّل تهديداً لمستقبله السياسي في الوقت الحالي، إذا أجريت انتخابات مبكرة، شدد مكتب رئيس الائتلاف اليميني الحاكم في الدولة العبرية على أن «نتنياهو أكد التزامه باتفاق وقف إطلاق النار المحتمل طالما تم الحفاظ على الخطوط الحمر الإسرائيلية»، في إشارة إلى هدف القضاء على قدرة الحركة الفلسطينية على حكم القطاع.

وتزامن ذلك مع اجتماع الوسطاء في الدوحة مع الوفد الإسرائيلي برئاسة مدير «الموساد»، ديفيد برنياع غداة مباحثات وصفت بالجيدة في القاهرة أمس الأول، للدفع باتجاه قبول خطة معدلة طرحها الرئيس الأميركي جو بايدن للتهدئة، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين نهاية مايو الماضي.

وفي حين تتناول اجتماعات الدوحة «القضايا الأساسية»، من المنتظر أن تستكمل القاهرة مناقشة التفاصيل التنفيذية لضمان نجاح الاتفاق.

إلى ذلك، أفادت أوساط عبرية بأن نتنياهو سيتجنب التوقف في أوروبا خلال رحلته المرتقبة بعد أسبوعين إلى واشنطن لإلقاء خطاب أمام «الكونغرس» الأميركي، وذلك خشية الاعتقال، إثر طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة توقيف بحقه على خلفية جرائم غزة.

وتزامن ذلك مع تعرّض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، لانتقادات شديدة من خلال مؤتمر، حيث اتهم العديد من مراسلي القنوات الدولية الولايات المتحدة بالتواطؤ والنفاق فيما يتعلق بالانتهاكات الإسرائيلية بغزة. وجاءت الانتقادات في سياق مقارنات بين رد الفعل الأميركي السريع تجاه الهجمات الروسية في أوكرانيا، والتفاوت في الرد على الانتهاكات التي تستهدف المرافق المدنية بالقطاع الفلسطيني.