رغم أن وزير المالية رجل متخصص وكفؤ، ويدرك تماماً أبعاد وأهمية دوره كوزير لمالية الكويت في هذه الظروف التي تمرّ بها البلاد، فإنّ لقاءه التلفزيوني أثار ضده انتقادات كثيرة، بسبب الاضطراب في كثير من تعبيراته، وربما كان القلق من مواجهة الجمهور بأمور غير شعبية هو سبب هذا الاضطراب، لكنّ الأهم من هذا كان عدم توضيحه لكثير من القضايا المهمة للتعامل مع العجز ونمو بند التكاليف الحكومية على حساب التنمية، وهي أهم قضايا الساعة.
فمن الملاحظ أن معظم المشاريع التي تحدّث عنها، بما فيها ميناء مبارك ومشاريع الاتفاقيات الصينية وغيرها، كانت موجودة في برامج الحكومات السابقة منذ سنوات، وكان على الوزير أن يشرح بدقّة ما الذي سيجعلها ترى النور في هذه الحكومة، بعد أن فشلت الحكومات الأخيرة في إنجازها، وهل ستقوم الحكومة بتعديل بعض القوانين القائمة لتنفيذها؟ وما هي؟
كما تجنّب الوزير، أو لم يركّز على أهم معضلتين في الميزانية، أولاهما كيفية زيادة الكويتيين بالقطاع الخاص، للحد من نمو بند الرواتب في الميزانية، وهو يعلم أن العمل الحكومي يحفل بالإغراءات، على خلاف «الخاص» الأقل إغراءً والمحدود السعة والإمكانية، وكيف سيقوم البديل الاستراتيجي بحل هذه المعضلة، وثانيتهما أنه لم يفصّل في كيفية زيادة الدخل غير النفطي، واكتفى بزيادة الإيجارات على أملاك الدولة، علماً بأن هذه المواضيع كانت أهدافاً لكل الخطط الخمسية التي صدرت بقانون، ولكنها فشلت بسبب انصراف الحكومة ومجلس الأمة عن الحل العلمي إلى السياسي.
وإضافة إلى ذلك، لم يتطرّق الوزير لاستصلاح الأراضي وتزويدها بالخدمات الضرورية لإقامة مختلف النشاطات التجارية عليها، مثل الصناعات النفطية والتحويلية والخدمات المختلفة والمدارس والأسواق الخاصة والمشاريع الصغيرة والحاضنات الحرفية، ولا شك في أن توفيرها يُعد من ضروريات التنمية لتحقيق زيادة سعة القطاع الخاص لكي يقوم بواجبه في التوظيف وزيادة إيرادات الدولة، مع العلم بأن عدم توافر الأراضي للشباب يعتبر المعوق الأكبر الذي يحول دون توجههم للعمل في «الخاص» وتكدسهم في الحكومة، وهذه المعضلة هي سبب الغلاء الفاحش في قيمة الأراضي الحالية وارتفاع قيمها التأجيرية، مما يحكم على كثير من مشاريع الشباب ورجال الأعمال بالفشل، مع العلم بأن الأراضي - كما قال المتخصصون - هي المصدر الثاني للدخل بعد النفط، إذا أُحسن استغلالها لخدمة هذه الأهداف.
كان يجب على الوزير الحديث الدقيق عن هذه المعضلات، وبيان كيف ستقوم الحكومة بحلها بالقرارات والإجراءات وبالأرقام، مع وضع برنامج زمني لتحقيقها ومؤشر عددي لقياس النجاح فيها.