هل نواصل النفخ يا عم شريم؟
الكلام سهل، فهو نسج أحلام وتمنيات، لكن حين يأتي دور التنفيذ تتحول الأمنيات لتصبح مستحيلات حين تبقى عقلية الإدارة السياسية على حالها، فهل ستختلف الحال هذه المرة؟!
تقرير الأمانة العامة للتخطيط الذي نشر أخيراً يشخّص مشاكل الدولة في الاقتصاد والتنمية، ويقترح بالتالي الحلول، كلام جيد يميل إلى الوصفة السحرية «خصص الاقتصاد وافتك»، هذا الكلام السهل يتكرر دائماً، إلا أنه في النهاية «تيش بريش»، والفاهم يعرف السبب.
يتحدث التقرير بدقّة عن ضعف الإنتاجية الكويتية في القطاع العام ومحدودية القطاع الخاص ـ وكأننا نملك قطاعاً خاصاً حقيقياً - ويسهب في الكلام عن الإنفاق الاستثماري وترشيد المصروفات، واختلالات سوق العمل، فالكل يركض للعمل بالحكومة لمزايا الراحة وامتيازات الرواتب... إلخ، تكويت بتكويت، والنتيجة هي ضعف الإنتاجية وتدهورها.
لكن هناك خجلاً سياسياً ومجاملة للمواطن تجب مواجهته بالحقيقة، حقيقة السلوك الريعي وتنابلة السلطان.
باسل الجاسر كتب في «x» معلّقاً على قرار مجلس الوزراء بتكليف ديوان الخدمة بإجراءات ضبط الدوام بحضور الموظفين وإعمال بصمة الوجه: «لدى وزارة الأوقاف 33 ألف معلم ومعلمة للقرآن الكريم، علماً بأن معلمي وزارة التربية لكل المراحل الدراسية، ولأكثر من نصف مليون طالب، عددهم 42 ألف معلم ومعلمة قرر مجلس الأمة منحهم (معلمي ومعلمات الأوقاف) دواماً خاصاً لمدة ثلاث ساعات، مع تمتعهم بجميع امتيازات معلمي ومعلمات وزارة التربية...» خوش عدالة وخوش مساواة وخوش رياء، حين تُفصّل القوانين واللوائح حسب لحى الجماعة المؤمنة، مع مباركة السلطة السياسية في ذلك الوقت.
كتب فوكوياما، وهو ليس من الباحثين المحبوبين عند الكثيرين، أن «العديد من الدول العربية تحاول القيام بعمليات بناء الدولة من الداخل، عن طريق فصل الإصلاح الإداري المؤسساتي عن الإصلاح المجتمعي والسياسي الذي يوقعها في تبنّي النظرية الاقتصادية الصرفة في علم الإدارة، لكن جدوى هذه النظرية لايزال موضع شك في العلوم المعاصرة، لأنّ سلوك الفرد في السوق الاقتصادي، حيث يسود منطق المنفعة الاقتصادية القصوى، يختلف جذرياً عن سلوكه داخل المؤسسات، حيث تمتزج المنفعة باعتبارات اجتماعية وثقافية أوسع...».
ويضيف الكاتب فوكوياما «بعد عقود طويلة من حملات محاربة الفساد وتشكيل لجان المحاسبة والمسؤولية... لاتزال (يقصد مؤسسات الدولة) منخورة بآثار المحاباة والرعاية واستغلال النفوذ، لكونها بالضرورة تستجلب أعراف القيادة من المجتمع المحيط إلى داخل المؤسسة، بدلاً من ابتكار نظام قيادة مؤسساتي يستنسخ ذاته داخل أطر الدولة الحديثة».
الكويت دولة عربية... أليس كذلك؟... فهل نواصل النفخ يا عم شريم؟