في تحرك لم تقدم عليه منذ الحرب الباردة، أعلنت الولايات المتحدة نشر أسلحة بعيدة المدى في ألمانيا، وتعهدت روسيا بالرد عليه باتخاذ تدابير ملموسة. وفي خضم تحذيرات تركية من صراع روسي - أطلسي، وجه حلف ناتو سهام اتهاماته نحو بكين، معرباً عن «قلقه البالغ» إزاء «الشراكة بلا حدود» بينها وبين موسكو.
وفي خطوة أثارت غضب الصينيين، اتهم قادة «ناتو» بكين بأداء دور رئيسي في مساعدة روسيا، حيث أصبحت بكين «عامل تمكين حاسماً في الحرب ضد أوكرانيا، من خلال دعمها الواسع للصناعة الدفاعية الروسية»، ودعوا بكين إلى «وقف كل دعم مادي أو سياسي للمجهود الحربي الروسي»، بما في ذلك «نقل المواد ذات الاستخدام المزدوج، مثل مكونات الأسلحة والمعدات والمواد الخام التي تستخدم في قطاع الدفاع الروسي».
وقال الأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ، إن «الحلف بعث رسالة قوية وواضحة تحدد مسؤولية الصين عندما يتعلق الأمر بتمكين روسيا من الحرب»، في تهم رفضتها بكين بغضب، مؤكدة أن الحلف، الذي تقوده الولايات المتحدة، يبحث عن ذريعة لتوسيع نفوذه شرقاً.
في المقابل، اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان مزاعم «ناتو» «غير مبررة»، مضيفاً أن الحلف ينشر معلومات مضللة صادرة عن الولايات المتحدة، وبالتالي يقوض التعاون بين الصين وأوروبا.
تحرك صاروخي
من جهتها، تدرس روسيا اتخاذ «تدابير» لاحتواء «التهديد الخطر»، الذي يمثله الحلف الأطلسي، حيث أكد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أن موسكو تعتزم الرد عسكرياً على نشر واشنطن أسلحة بعيدة المدى في ألمانيا، محذراً من أن الأمن الروسي سيتعرض للخطر بسبب مثل هذه الأسلحة والتصعيد.
وقال ريابكوف، إن موسكو توقعت التحرك الصاروخي الأميركي الألماني، ووصفه بأنه مصمم لترهيب روسيا، وزعزعة استقرار الأمن الإقليمي والعلاقات الاستراتيجية. ونقلت وكالة إنترفاكس للأنباء عن ريابكوف قوله: «دون توتر، ودون عواطف، سنخرج برد عسكري. أولاً وقبل كل شيء، على هذه اللعبة الجديدة»، فيما اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن احتمال نشوب «صراع مباشر بين حلف شمال الأطلسي وروسيا مقلق»، مشدداً على ضرورة «تجنّب أي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى هذه العاقبة»، بينما تحاول أنقرة البقاء على مسافة متساوية من موسكو وكييف منذ اندلاع الحرب بينهما في فبراير 2022.
ورداً على المساعدات التي أعلنها «ناتو» لأوكرانيا، لاسيما إرسال مقاتلات وبطاريات مضادة للطائرات، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن «ناتو» أصبح «منخرطاً بشكل كامل» في الصراع بأوكرانيا، مضيفاً أنه يدرس «تدابير» لاحتواء هذا «التهديد الخطر».
وأضاف: «هذا تهديد خطر جداً للأمن القومي، سيجبرنا على اتخاذ إجراءات مدروسة ومنسقة وفعالة لاحتواء ناتو»، من دون تقديم تفاصيل حول موعد تنفيذها ولا طبيعتها، متهماً الحلف الأطلسي بأنه «أداة للمواجهة وليس للسلام والأمن».
وعلى الرغم من أن «ناتو» عزز دعمه لأوكرانيا بالتزامات عسكرية ومالية، كما أعلن أن كييف تسير في «مسار لا رجعة فيه» نحو الانضمام إليه، لم ينجح الحلف الأطسي في النجاة من ظل المرشح الجمهوري دونالد ترامب الجاثم عليه، وسط شكوك في انسحاب أميركي من هذه التعهدات بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض عقب الانتخابات المقررة نوفمبر المقبل.
في هذا السياق، كشف مسؤولون أوروبيون وأميركيون لصحيفة «بوليتيكو» أن ترامب يفكر في تقليص تبادل المعلومات الاستخبارية مع أعضاء «ناتو» الأوروبيين إذا فاز في الانتخابات الرئاسية، في خطوة ستكون جزءاً من خطة أوسع لتقليص الدعم الأميركي والتعاون مع «ناتو».
ووسط مخاوف من أن تؤثر هذه الخطوة على قدرة أوروبا والغرب على كبح التوسع الروسي، أكد مسؤول أوروبي أن «المخابرات الأميركية هي التي ساعدت في إقناع الكثير من دول «ناتو» بأن بوتين عازم على غزو أوكرانيا»، فيما حذر مسؤول كبير في «ناتو» من أن انخفاض تبادل المعلومات الاستخبارية قد يؤدي إلى تشجيع روسيا على التخطيط لاغتيالات على الأراضي الأوروبية، فضلاً عن ارتكاب أعمال «حرق وتخريب».
غير أن وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس توقع أن تستمر الولايات المتحدة في نشر صواريخ كروز، وغيرها من الأسلحة بعيدة المدى، في ألمانيا، حتى إذا تولى ترامب الرئاسة مجدداً. وقال بيستوريوس، في تصريحات لمحطة «دويتشلاند فونك» الألمانية الإذاعية، «نحن نتحدث هنا عن فجوة خطيرة جداً في القدرات بأوروبا»، مضيفاً: «لذلك لا أستطيع أن أتخيل أي رئيس آخر (غير جو بايدن) سيحيد عنها».
وكانت الولايات المتحدة أعلنت أنها ستنشر أنظمة أسلحة في ألمانيا، يمكن أن يصل مداها إلى روسيا، وذلك للمرة الأولى منذ الحرب الباردة. واعتباراً من عام 2026 ستضمن صواريخ كروز من طراز «توماهوك»، التي يصل مداها إلى أكثر من 2000 كيلومتر، والصواريخ المضادة للطائرات من طراز «إس إم - 6»، وأسلحة مطورة حديثاً أسرع من الصوت، حماية أفضل لحلفاء «ناتو» في أوروبا.
ميدفيديف: علينا فعل كل شيء لإخفاء أوكرانيا و«ناتو»
ندد الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف، أمس، بوعد قطعه حلف شمال الأطلسي (ناتو) خلال قمة له بمنح العضوية لأوكرانيا، وقال إن روسيا ينبغي أن تعمل على «اختفاء» أوكرانيا والحلف العسكري.
ونقل ميدفيديف اقتباساً من إعلان الحلف خلال القمة المنعقدة في واشنطن جاء فيه «سنواصل دعم أوكرانيا في مسارها الذي لا رجعة فيه نحو الاندماج الكامل على الصعيدين الأوروبي والأطلسي، بما في ذلك نيل عضوية الحلف»، ثم كتب بالروسية: «الاستنتاج واضح. يجب علينا أن نفعل كل شيء حتى ينتهي (مسار أوكرانيا الذي لا رجعة فيه) إلى حلف شمال الأطلسي إما باختفاء أوكرانيا أو اختفاء الحلف. أو حتى الأفضل اختفاء كليهما».
الحلف يعزز وجوده بمكتب الأردن
أعلنت وزارة الخارجية الأردنية إنشاء مكتب اتصال لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في المملكة، بما يسهم في تعزيز علاقات التعاون المشترك مع الحلف.
وقالت الوزارة، في بيان، «اعتمد الحلفاء في قمة ناتو بواشنطن خطة عمل لتعزيز نهج التعاون في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، لمواكبة تطورات المشهد الأمني والإقليمي والعالمي، وحرصت هذه الخطة على إظهار التزام الحلف بتعزيز التعاون مع دول الجوار الجنوبي، من خلال إنشاء مكتب اتصال للحلف في المملكة الأردنية، وهو مكتب الاتصال الأول في المنطقة».