للمرة الأولى منذ الانتخابات التشريعية والرئاسية الفرنسية التي أجريت عام 1981 يقبل الفرنسيون على مكاتب الاقتراع بشكل مكثف، فقد قاربت نسبة المشاركة حدود 67%.

مفاجأة أخرى تمخض عنها الدور الثاني للانتخابات، من خلال تحقيق تحالف اليسار ممثلا بالجبهة الشعبية انتصارا لم يكن أكثر المتفائلين من قادته يحلم به قبل أسابيع قليلة، خاصة بعد تصدر التجمع الوطني اليميني نتائج الدور الأول.

Ad

لكن نتائج الدور الثاني وضعت المشهد السياسي والبرلماني الفرنسي في طريق مسدود في ظل انقسام مقاعد الجمعية الوطنية على ثلاثة محاور متقاربة عدديا ومتنافرة في توجهاتها، فقد جاء أقصى اليمين المتحالف مع قسم من الجمهوريين ثالثا، فيما حل تيار الوسط الرئاسي ثانيا وتصدر تحالف اليسار المشهد بأكثر من 190 مقعدا.

لتصبح الجمعية الوطنية التي تضم 577 نائبا بدون أغلبية حاسمة تستطيع تشكيل حكومتها وتنفيذ برنامجها الانتخابي، بعد تقديم رئيس الحكومة الحالي المحسوب على تيار الرئيس ماكرون استقالته، مما يجعل الجميع في مواجهة عقدة سياسية لا تبدو المخارج منها سهلة، في ظل هيمنة أقصى اليسار وأقصى اليمين على أوراقها ومآلاتها. وفي قراءة أولى للنتائج يبدو السيناريو الأقرب للتحقق، إيجاد صيغة توافقية بين تحالف اليسار والتيار الوسطي لتحقيق أغلبية وازنة وتكوين حكومة وفق برنامج واضح المعالم يخرج المشهد السياسي من هذه الأزمة الدستورية الصعبة. هذا السيناريو لئن يحمل الكثير من الواقعية السياسية إلا أن تحقيقه مرتبط بتنازلات أقصى اليسار خاصة من قبل حركة فرنسا الأبية التي أعلن رئيسها ميلنشون الطامح في رئاسة الحكومة تحميل مسؤولية الأزمة الحالية للرئيس ماكرون.

السيناريو الثاني الممكن رغم صعوبته تحالف تيار الوسط الماكروني مع أحزاب اليمين الجمهوري وأقصى اليمين ممثلا في التجمع الوطني، وهو من الصعوبة بمكان في ظل الاتهامات التي يوجهها هذا الأخير للرئيس ماكرون والتحالف الموالي له بالتسبب في أزمة الحكم المزمنة.

في المحصلة، فإن المشهد البرلماني الحالي من الثابت أنه أوصل المسار السياسي الفرنسي إلى وضعية غير مسبوقة قد يصبح فيها التعايش بين الأطراف السياسية شبه مستحيل في غياب تنازلات مؤلمة تقدمها الأطراف المختلفة، وقد يجبر ماكرون، الذي تقترب عهدته الخماسية من نهايتها على تكليف حكومة كفاءات لتصريف أعمال السلطة التنفيذية حتى التوصل الى حل توافقي يمكن الفرقاء من إيجاد مخرج معقول لتشكيل حكومة سياسية متفق بشأنها، في ظل عجز جميع الأطراف على تحقيق سقف 289 نائبا لضمان الأغلبية البرلمانية المطلقة وتكوين الحكومة المرتقبة، وهو ما يجعل البرلمان الفرنسي في وضعية معلقة الى حين إيجاد مخرج مناسب لتجاوز هذه الأزمة والتخفيف من حدة المفارقة السياسية الفرنسية الراهنة.