في تلك اللحظة الاستثنائية وسط الجموع المزدحمة يبحث زهايمر بين التلكؤ وشدة صعوبة الطريق التي يتخطاها، يتردد بين من يدفعه بعنف ويعتصره، وبين من يرسم له كلمات ثقيلة تتردد في ذهنه معبرة عن العبء والضيق.
روائح الأجساد والأنفاس المتزامنة تختلط في أنفه، وتزداد حرارة الجو، في حين تعلو أصوات السباب من حوله، فهو يتباطأ في كل خطوة يخطوها، يبحث عن مساحة لقدميه بين تلك الأيادي المتشددة، في محاولة يائسة لكي لا يفقد توجهه.
وبينما يحاول التماسك في تلك الحشود، يقترب منه شخص ما، ويقف خلفه مباشرة، يهمس في أذنه بصوت هامس: «هل كنت تبحث عني؟». يلتفت زهايمر ببطء، وتلتقي عيناه بوجه متعب مليء بآثار الزمن والتجاعيد، ينطق ببطء وكأنه يقول كلمة بكلمة: «هل تظن أنني كنت سأضيعك يومًا ما ولم أفعل؟!». وهنا يشتد الصراع داخل زهايمر بين رغبته في الابتعاد عن تلك اللحظة وبين واقعه المؤلم الذي يعيشه، بين حاضر يعاني وماضٍ غائب يطارده، لا يستطيع زهايمر إلا أن يشعر بالضيق والارتباك، يعبر عن تناقضاته الداخلية بتوليف الكلمات التي تخرج من فمه بصعوبة، وباستمرارية يهمس الشخص خلفه في أذنه بجرأة وحسم: «هل كنت تبحث عني؟».
في تلك اللحظة، يتمزق الزمن وتتلاشى المكانة، ويظهر زهايمر كما هو بكل ألوانه وتشوهاته، يواجه حقيقته بجرأة ويتساءل بصوت خافت، عن خيوط الشك والارتياب.
وهنا، في توازن هش بين الماضي والحاضر، بين الحقيقة والخيال، يبحث زهايمر عن إجابات، تكون مهمة لفهمه الذاتي واستعادة توازنه الداخلي، فقد يكون تأمل زهايمر في اللحظة الحالية واجهة لما يختبئ داخله، وربما تكون هذه المواجهة الصادقة مفتاحًا لفهمه لمن حوله ولعلاج جروحه الداخلية. وبينما يلتفت زهايمر إلى الوراء، تتلاشى الصورة الضبابية من السابق، ويظهر أمامه هذا الشخص الذي دائمًا يأبى أن يختفي، الشخص الذي ترك بصمته في عقل زهايمر وقلبه.
في نهاية المطاف، قد يكون الإدراك والتقبل هما الطريق الوحيد لتلاقي زهايمر مع ذاته وماضيه والمضي قدمًا نحو مستقبل يشرق بأمل متجدد.
الذاكرة هي التي تتحكم في نظراتنا وتخيل أصوات ورائحة عطر لأشخاصٍ قريبين إلى قلوبنا قبل عقولنا.