لم تأت كلمة «ظاهرة» في تقرير ديوان المحاسبة الصادر الشهر الفائت من فراغ، بل هي نتيجة طبيعية، بعد رصده لتزايدها في السنوات الأخيرة، وهو ما دعاه إلى تسليط الضوء عليها، حيث2643 قسّم حالات التعثر الدراسي في البعثات الخارجية إلى 4 أقسام «الفصل من البعثة نتيجة الرسوب المتكرر أو لارتكاب مخالفة، والانسحاب منها، نظرا لعدم رغبة الطالب في استكمالها، وإلغاء البعثة قبل التحاق الطالب بالدراسة، أو تجميدها من خلال الوقف المؤقت لها وتمديده».

Ad

جرس الإنذار

ومع تواصل التحذيرات من تنامي ظاهر التعثر الدراسي للطلبة في البعثات الخارجية، تدق «الجريدة» جرس الإنذار للمسؤولين في الدولة، وعلى رأسهم وزارة التعليم العالي لاتخاذ الخطوات المناسب من أجل دراستها جيداً وتشخيص الأسباب ووضع الحلول اللازمة لها.

ووفق أرقام رسمية صادرة في سبتمبر 2019، اطلعت «الجريدة» عليها، فقد بلغ عدد الطلبة المتعثرين دراسيا في البعثات الخارجية خلال الأعوام الدراسية 2013/ 2014 حتى 2017/ 2018 نحو 2634 طالباً، وشهد عام 2015/ 2016 أكثر نسبة انسحاب من البعثات بسبب التعثّر الدراسي بعدد 750 حالة، بينما سجل عام 2017/ 2018 أكثر نسبة فصل لـ 617 طالباً نتيجة التعثر الدراسي.

وتطورت أعداد الطلبة المتعثرين، وفق ديوان المحاسبة خلال الأعوام من 2020 إلى 2022 بواقع 4432 طالباً متعثّراً، ما بين الفصل من البعثة وانسحاب وإلغاء وتمديد تجميد البعثة، بواقع 683 عام 2020، و1629 عام 2021، إضافة إلى 2120 عام 2022، ولوحظ ارتفاع أعداد الطلبة الذين ألغوا بعثاتهم قبل الالتحاق خلال تلك الفترة، وكذلك الطلبة الذين طلبوا تجميدها، وارتفاع الوزن النسبي لأعداد الطلبة المنسحبين برغبتهم لأسباب شخصية، وفقا للائحة البعثات بنسبة 54 بالمئة من الإجمالي لعام 2020، و78 بالمئة لعام 2021، و77 بالمئة لعام 2022.

ورغم التحذيرات المتكررة، وتعهدات «التعليم العالي» بالمعالجة، فإن التعثّر استمر، وتنوعت الأسباب بين الإخلال بشروط البعثة والرسوب، وصدور قرار بتجميد البعثة لمدة سنة وعدم الحصول على قبول أكاديمي، ونسبة الحضور المتدنية والجمع بين أي عمل والبعثة دون الحصول على موافقة رسمية بذلك.

ورغم تعدد أسباب تعثّر الطلبة، والتي انتهت بالفصل من البعثة أو الانسحاب منها أو إلغائها وتجميدها وتمديدها، فإن أغلبها يرجع إلى الطالب، سواء كان ذلك تقصيرا منه أو ضعف الرغبة في الاستكمال، أو المشاركة في طلب ابتعاث دون رغبة حقيقية في الدراسة بالخارج.

وتركزت أغلب أسباب الفصل من البعثة خلال فترة الفحص 2019 - 2022 بين الطلبة الذين تم صدور قرار بتجميد البعثة لمدة سنة، وعدم الحصول على قبول أكاديمي، حيث بلغ عددهم 304 طلاب خلال فترة الفحص من 2019 - 2022، وتلا ذلك بند الطلبة والرسوب المتكرر، حيث بلغ أعداد الطلبة الذين رسبوا لسنتين متفرقتين لمدة دراسة 4 سنوات 63 طالبا عام 2020، مما يشير إلى الحاجة الشديدة لتوجيه عناية الملحقين الثقافيين بالمكاتب الثقافية في كل دولة ابتعاث لأهمية توفير الوسائل المساعدة والدعم النفسي والاجتماعي والمتابعة الأكاديمية الفعالة لتحفيز الطلاب وتجنيبهم حالات التعثّر.

وكان ديوان المحاسبة من ضمن ما وضعه من توصيات في تقريره الصادر عام 2016 دراسة أسباب تزايد حالات الطلبة المتعثّرين خلال الأعوام الثلاثة السابقة، واتخاذ ما يلزم من إجراءات في ضوء ما تُسِفر عنه من نتائج لوضع الضوابط ومساعدة الطالب على توفير الوسائل لتجنّب حالات التعثر.

غير أن وزارة التعليم العالي أكدت، كما ورد في تقريرها الصادر الشهر الماضي، أنها تدرس أسباب تزايد حالات التعثر الدراسي للطلبة خلال الأعوام الثلاثة السابقة، لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لتوفيرالحلول والوسائل المساعدة لتجنّب حالات التعثر الدراسي.

وتقدم الدولة دعماً مالياً كبيراً للطلبة والطالبات الحاصلين على البعثات من تخصيص مصروف شهري يتجاوز في بعض الدول 1000 دينار لكل طالب وبدل كتب وأدوات وملابس ومخصص إعداد سفر ورسوم دراسية، وغير ذلك من البدلات والحوافز، غير أن التعثّر الدراسي بجانب أنه يكلّف الأسرة الملزمة بردّ ما حصل عليه الطالب بسبب تعثره، فإنه يفوّت الفرصة على طلبة آخرين، وهو ما يستدعي تشديد شروط القبول بالبعثات الخارجية، ومنحها للمستحقين القادرين على الاستفادة منها بالشكل المطلوب.

أسيل العوضي لـ «الجريدة.»: 7 أسباب للتعثر و«روشتة» للحلول

رئيسة المكتب الثقافي السابقة في واشنطن استشارية التعليم والسياسات العامة د. أسيل العوضي

حددت رئيسة المكتب الثقافي السابقة في واشنطن، استشارية التعليم والسياسات العامة، د. أسيل العوضي، 7 أسباب لتعثّر بعض الطلبة المبتعثين للخارج، 3 منها أكاديمية و4 شخصية، ولم تتوقف عند التشخيص، بل قدمت روشتة الحلول، التي تصدرها ضرورة إخضاع الراغبين في الدراسة بالخارج لدورات تأهيلية حول الثقافة المالية، وقوانين البلد الذي يبتعثون إليه.

وبحُكم خبرتها الطويلة، سردت العوضي، في تصريح لـ «الجريدة»، أسباب التعثر، حيث شددت على أن هناك الكثير من الطلبة خريجي التعليم العام، يعانون ضعفا شديدا باللغة الإنكليزية، مما يؤثر بشكل كبير على تحصيلهم الأكاديمي في بلدان الابتعاث التي تعتمد اللغة الإنكليزية في التعليم.

وبعد أن وضعت العوضي السبب الأكاديمي الأول، انتقلت إلى الحديث عن السبب الثاني المتمثل في الفاقد التعليمي، إذ شددت على أنه يصبح واضحا وجليّا لدى العديد من الطلبة، خاصة في المواد العلمية، وعلى رأسها مادة الرياضيات، التي تعد عصب جميع التخصصات العلمية المدرجة ضمن خطة الابتعاث، مشيرة إلى أن ضعف المستوى التعليمي للطلبة في مادة الرياضيات من أهم أسباب تعثّرهم في الخارج.

ويضاف إلى ذلك بالنسبة للأسباب الأكاديمية، وفق العوضي، اختلاف طرق التدريس والتقييم لدى الجامعات في الدول الغربية عنها في الكويت، فضعف مهارات الطلبة في التفكير النقدي والمستقل، وكذلك اختلاف منظومة القيم فيما يتعلق بالنزاهة والشفافية في التحصيل العلمي وفي تداول المعلومات وتوثيق المصادر يعرّض الكثير من الطلبة للتعثر.

ولم تتوقف العوضي عند الأسباب الأكاديمية، بل رأت أن هناك عوامل شخصية أخرى لها دور بارز في تعثّر الطلبة، فبعضهم يتعثرون دراسياً لفقدان الشغف، أو عدم الرغبة في دراسة التخصص في حد ذاته، وهنا يؤدي ضغط الأهل أو المجتمع دوراً بارزاً في اختيار الطالب لدراسة تخصص لا يستهويه.

وتؤكد العوضي أن العوامل النفسية لها دور بارز في تعثّر الطلبة، فالاغتراب له تبعات نفسية سلبية على بعض الطلبة، حيث يعاني الكثيرون القلق والاكتئاب من جراء ابتعادهم عن محيطهم الأسري والمجتمعي والعيش في دولة مختلفة ثقافيا عمّا اعتاده الطالب، إضافة إلى أن اختلاف الثقافات يشكّل ضغطاً نفسياً كبيراً على بعض الطلبة، الذين يجدون صعوبة في التعايش مع بيئة مختلفة، فضلا عن متطلبات تدبير شؤون حياتهم الخاصة بشكل مستقل واتخاذ القرارات اللازمة، حيث يعاني الكثير من الطلبة ضعف الثقافة المالية، مما يعرّضهم لضغوط نفسية كبيرة من جراء عدم قدرتهم على تنظيم مصروفاتهم المالية بشكل عام، وغياب الدعم الأسري في هذا الجانب.

وبعد مرورها على الأسباب، قدمت العوضي الحلول، حيث أكدت ضرورة إخضاع الراغبين في الدراسة بالخارج لدورات تأهيلية حول الثقافة المالية، والنظم والقوانين المتبعة في دول الابتعاث، ولائحة الابتعاث الخاصة بالتعليم العالي، وكذلك التعرف على أبرز الملامح الحضارية والثقافية في دولة الابتعاث، وأضافت أنه لا بُد من توفير خدمات للإرشاد النفسي للطلبة المبتعثين، مشددة على أن مساعدة الطالب من المتخصصين في التغلب على المعوقات النفسية والتعامل مع الضغوط قد يسهمان في تفادي التعثر الدراسي.

وقالت: «لا بد كذلك من ربط اختيارات التخصص الدراسي للمبتعث باختبارات للميول والقدرات الأكاديمية، فقد يكشف اختبار الميول والقدرات عن عدم تأهل الطالب لدراسة الهندسة على سبيل المثال، وابتعاث الطالب لدراسة الهندسة في هذه الحالة هي مساهمة من قبل الدولة في تعثّر الطالب أكاديمياً، وتكبّد ذويه للأعباء المالية من جراء ذلك التعثر».

وتشدد العوضي على ضرورة الاهتمام بشكل أكبر بإتقان الطالب المبتعث للغة الإنكليزية، لأن ضعف المهارات اللغوية يضعف فرص التحصيل الدراسي، ويُعد سببا رئيسيا لتعثر الطلبة، إضافة إلى توفير مقاعد للابتعاث لكليات المجتمع المهنية، وتوجيه الطلبة لدراسة التخصصات المهنية المساندة التي يتطلبها سوق العمل، والتي تتماشى مع مستوى الطالب الأكاديمي وقدرته على التحصيل العلمي، مما قد يسهم في انخفاض نسب التعثر ويضمن نجاح الطالب وانخراطه في سوق العمل بسهولة.

وطالبت العوضي بمراجعة سياسة الابتعاث بشكل عام، وتحديد مستهدفاتها والنتائج المرجوة منها، خاصة في ظل وجود الجامعات الحكومية والخاصة المحلية، والتركيز على الابتعاث للجامعات المتميزة والتخصصات النادرة غير المتوافرة في الكويت، والتي يتطلبها سوق العمل، مؤكدة أن الاستثمار في العنصر البشري من أهم ركائز التنمية، لذلك، فإن دراسة نتائج سياسة الابتعاث ومخرجاتها في السنوات العشر الماضية أصبحت ضرورة قصوى لضمان توظيف ذلك الاستثمار لخدمة التنمية.

أسباب التعثر

• عوامل أكاديمية أبرزها ضعف الإنكليزية والرياضيات واختلاف طرق التدريس

• 4 أسباب شخصية راجعة إلى فقدان الشغف والعوامل النفسية واختلاف البيئات وضعف الثقافة المالية

الحلول

• دورات تأهيلية للمبتعث وخدمة للإرشاد النفسي للتعامل مع الضغوط

• ربط اختيارات التخصص الدراسي للمبتعث بميوله الأكاديمية

• التأكد من إتقانه للإنكليزية ومراجعة سياسة الابتعاث وتحديد مستهدفاتها

• الابتعاث للجامعات المتميزة والتخصصات النادرة غير المتوافرة بالكويت

• دراسة نتائج المخرجات في السنوات العشر الماضية لضمان توظيفها لخدمة التنمية