في حلقة يومية جديدة من مسلسل إبادة أهل غزة المشؤوم، أقدم الاحتلال الإسرائيلي أمس على تنفيذ مجزرة بشعة في منطقة المواصي، التي سبق له أن صنفها «إنسانية آمنة» ودأب على حث المدنيين للنزوح إليها بعد إصداره أوامر إخلاء من مناطق أخرى، مبرراً فعلته الخبيثة، التي تسببت في استشهاد وإصابة 368 فلسطينياً، بمحاولة اغتيال قائد كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس محمد الضيف، ومعه قائد كتيبة خان يونس رافع سلامة.

وزعم جيش الاحتلال وجهاز الشاباك أن «الضيف كان مختبئاً مع سلامة وعدد من أفراد حراستهما في مبنى فوق الأرض محاط بسياج قرب خيام النازحين بالمنطقة الإنسانية غربي خان يونس، فاستهدفه بسلسلة ضربات جوية من أسلحة دقيقة»، لكنه فشل في تأكيد تحقيق هدفه بقتل الرجل، الذي نجا من 7 محاولات تصفية سابقة على مدار 30 عاماً.

Ad

وادعى الاحتلال، الذي ضرب كعادته عرض الحائط بتعهداته وبكل المواثيق الدولية، أنه «قبل الهجوم تم إجراء تقييمات للوضع مع الشاباك ومقر المختطفين الإسرائيليين، ولا مؤشرات على أنه كان هناك أي منهم في المجمع المستهدف».

ونقلت تقارير عبرية أن «الجيش قرر المجازفة ونفذ عدد من الطائرات المقاتلة حملة قصف واسعة النطاق شملت إسقاط عشرات الأطنان من القنابل بينها 5 أنواع تأتي في صلب الخلاف بين حكومة نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن استخدامها في الأماكن المكتظة بالمدنيين».

ورغم تفاؤل الأجهزة الأمنية للاحتلال بنتائج العملية، أشارت الصحف إلى أن المسؤولين يرجحون إصابة الضيف بجروح خطيرة في الهجوم.

ولاحقاً، تعهد وزير الدفاع يوآف غالانت بأن قواته ستواصل «العمليات المركزة لاستهداف قادة «حماس»، معلناً «رفع درجة الاستعداد القصوى على جميع الجبهات والتأهب لأي سيناريو».

ووسط تنديد دولي واسع بالعربدة الصهيونية، نفت «حماس» مقتل الضيف، الذي يعد أحد أبرز العقول المدبرة لهجوم «طوفان الأقصى» الذي أطلق شرارة حرب غزة المتواصلة منذ 283 يوماً.

وقال رئيس دائرة الحركة السياسية بالخارج سامي أبو زهري إن «الادعاءات الإسرائيلية كلام فارغ لتبرير المجزرة المروعة وجميع الشهداء مدنيون، وما يحدث هو تصعيد خطير لحرب الإبادة في ظل الدعم الأميركي والصمت العالمي».

وحذر من أن هجوم خان يونس يظهر أن إسرائيل غير مهتمة بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في ظل استمرار المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين بشأن خطة الرئيس الأميركي جو بايدن المعدلة لإبرام صفقة تشمل هدنة قد تفضي لإنهاء الحرب وتبادل المحتجزين.

وجاءت مجزرة المواصي بموازاة تصعيد عسكري إسرائيلي في عموم مناطق القطاع المنكوب، إذ قُتِل 17 شخصاً في قصف استهدفهم خلال أداء الصلاة بجوار مسجد مدمر في مخيم الشاطئ برفح، كما انتشل الدفاع المدني جثث عشرات الضحايا من مناطق الشجاعية وأحياء مدينة غزة التي تشهد اشتباكات ضارية بين عناصر حركتي «حماس» والقوات الإسرائيلية المتوغلة بها.

وعقب تداول الأنباء عن الضربة التي استنكرها العديد من الدول العربية والإسلامية، نددت عائلات الإسرائيليين المحتجزين لدى «حماس» بطريقة تعامل نتنياهو مع محادثات وقف إطلاق النار بعد أن اتهم مسؤولون مشاركون بالمفاوضات رئيس الوزراء بعرقلتها عبر طرح مطالب جديدة تتضمن إيجاد آلية تنفيذ لمنع مسلحي الحركة الفلسطينية من العودة إلى شمال غزة.

وفي وقت أرجع مراقبون ارتكاب المذبحة إلى رغبة نتنياهو في تفخيخ اتفاق الهدنة، الذي يضغط بايدن لإبرامه، لأنه قد يشكل تهديداً على مستقبله، صرح مصدر رفيع المستوى بأن مصر أبلغت الأطراف المعنية بخطورة التصعيد الإسرائيلي واستهداف المدنيين، محذرة من أن مجزرة المواصي ستضع تعقيدات على سبل التوصل إلى اتفاق.

وبينما أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي موقفه القائم بشأن حتمية تحقيق وقف إطلاق النار الفوري والشامل في غزة ومنع التهجير بكل صوره ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، رافضاً توظيف معبر رفح الحدودي ليكون بمثابة أداة لإحكام الحصار على غزة، أشار إلى أهمية وقف استهداف المدنيين وعنف المستوطنين.

وفي تفاصيل الخبر:

رغم مواصلة الوسطاء في مصر دفع المفاوضات غير المباشرة، عبر تضييق الفجوات للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار بغزة، قتل 71 فلسطينياً، وأصيب 289 في قصف همجي استهدف منطقة المواصي، المصنفة آمنة، جنوبي القطاع المنكوب، بررها الاحتلال بمحاولة اغتيال قائد «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة حماس محمد الضيف.

ووسط اتهامات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمحاولة تفخيخ إتمام الصفقة عبر طرح «مطالب جديدة»، تسببت المجزرة المروعة في انتشار جثامين المدنيين على الطرقات، نتيجة حزام ناري إسرائيلي استهدف خيام النازحين في المواصي بخان يونس.

وذكر الاحتلال أن محاولة اغتيال الضيف الجديدة جاءت بعد تبادل معلومات بين الجيش والمخابرات، مفادها بأنه كان بصحبة قائد «كتائب القسام» بخان يونس رافع سلامة، في مجمع مدني محاط بسياج فوق الأرض. وقدر الجيش مقتل العشرات من ناشطي «حماس» كانوا ضمن دائرة تأمين الضيف وسلامة، في المنطقة التي سبق أن أعلنتها سلطات الاحتلال آمنة للنازحين مع استمرار الحرب لليوم 281.

وبينما أفاد مصدر أمني إسرائيلي، إذاعة الجيش، بأن الضربة نفذت «رغم معرفتنا باحتمال وقوع عشرات القتلى»، وأشارت إلى تقديرات شبه مؤكدة بإصابة الضيف، سعى مكتب رئيس الوزراء إلى تهدئة المخاوف لدى أهالي الأسرى المحتجزين بالقطاع، عبر الإشارة إلى أن «التقديرات أكدت عدم وجود رهائن بالقرب من القياديين المستهدفين».

تكذيب واتهام

في المقابل، كذبت «حماس» «مزاعم الاحتلال» باستهداف قيادات فلسطينية، معتبرة أنها «ادعاءات كاذبة، وليست الأولى التي يدعي فيها الاحتلال استهداف قيادات ويتبين كذبها لاحقاً، وهي للتغطية على حجم المجزرة المروعة».

وأضافت الحركة أن «مجزرة مواصي خان يونس استمرار للإبادة النازية»، مشددة على أن «الإدارة الأميركية شريك مباشر في الجريمة»، وتابعت: «إن مجزرة مواصي خان يونس، التي استهدفت منطقة تكتظ بأكثر من ثمانين ألفاً من النازحين، هي تأكيد واضح من الحكومة الصهيونية على مضيها في التصعيد الكبير والممنهج ضد المدنيين العزل، في الخيام ومراكز النزوح والأحياء السكنية، وارتكاب أبشع الجرائم بحقهم، غير مكترثة بدعوات وقف استهداف المدنيين الأبرياء، أو ملتفتة لأي من قوانين الحروب التي تفرض حمايتهم».

كما أكد القيادي سامي أبوزهري أن الحديث الإسرائيلي عن استهداف الضيف، الذي نجا من 7 محاولات سابقة للقتل على مدار 3 عقود، «كلام فارغ»، مشدداً على أن «جميع الشهداء مدنيون، وما يحدث هو تصعيد خطير لحرب الإبادة في ظل الدعم الأميركي والصمت العالمي»، واعتبر أن «هذه رسالة عملية من الاحتلال بأنه غير معني بأي اتفاق».

وقال المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبوردينة، إن مجزرة الاحتلال الجديدة في المواصي هي استكمال لحرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ بدء العدوان، محملاً «الإدارة الأميركية المسؤولية عنها لإصرارها على مخالفة جميع قرارات الشرعية الدولية عبر استمرارها في تقديم الدعم بالمال والسلاح لهذا الاحتلال».

وتأتي هذه الضربة بعد ارتكاب الاحتلال مجازر مروعة في منطقة الصناعة بحي تل الهوى، وفي أحياء مدينة غزة ومخيمات الوسطى، حيث يواجه مقاومة شديدة من عناصر حركتي حماس والجهاد.

تنديد وعرقلة

وجاءت التطورات في وقت نددت عائلات الإسرائيليين المحتجزين لدى «حماس» بطريقة تعامل رئيس الائتلاف اليميني الحاكم في الدولة العبرية مع محادثات وقف إطلاق النار، بعد أن اتهم مسؤولون نتنياهو بعرقلة المفاوضات بطرح مطالب جديدة، وبمطالبته بآلية تنفيذ لمنع مسلحي «حماس» من العودة إلى شمال غزة.

وأمس الأول، ذكر مسؤول مشارك في المحادثات غير المباشرة، التي تستضيفها القاهرة لدفع الخطة المعدلة التي طرحها الرئيس الأميركي جو بايدن مطلع مايو الماضي لإبرام هدنة وتبادل محتجزين، أن «إسرائيل تواجه لحظة الحقيقة بالنسبة للرهائن».

وأشار المسؤول إلى أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق في غضون أسبوعين، وحذر من أن «إصرار رئيس الوزراء على بناء آلية لمنع تحرك المسلحين إلى شمال غزة من شأنه أن يعطل المحادثات لأسابيع، وبعد ذلك قد لا يكون هناك من يمكن إعادته».

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر أن نفي نتنياهو، ليل الجمعة ـ السبت، قبوله الانسحاب الجزئي الذي تطالب به «حماس» من محور فلاديلفيا، الفاصل بين القطاع وسيناء المصرية، لا يعبر عن التقدم الحاصل باتجاه عقد الصفقة التي أكد بايدن أمس الأول أن طرفي الحرب المتواصلة منذ 10 أشهر وافقا عليها رغم استمرار بعض النقاط العالقة لاتمام الاتفاق.

وبينما اتهم البعض نتنياهو بتعمد تكثيف ضرب المدنيين، لاستفزاز الحركة ودفعها إلى الانسحاب من المفاوضات، وتحميلها مسؤولية إفشال جهود وقف الحرب، أظهر استطلاع للرأي أن 72% من الإسرائيليين يعتقدون أن رئيس الوزراء عليه الاستقالة، سواء بشكل فوري أو بعد انتهاء القتال مباشرة.

تنديد وتصنيف

على الصعيد الدولي، نددت عدة دول، بينها مصر والأردن، باستمرار العدوان الإسرائيلي، واستهدافه الممنهج للمدنيين، وآخره استهداف خان يونس.

من جهة ثانية، هاجم وزير الخارجية يسرائيل كاتس مجدداً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووصفه بأنه «لا يقرر أي شيء»، وذلك رداً على تصريحات للأخير قال فيها إنه لا يمكن لإسرائيل مواصلة شراكتها مع حلف «الناتو» حتى التوصل إلى سلام شامل ودائم في فلسطين. من جانب آخر، أعلنت الرئاسة الأرجنتينية تصنيف «حماس» منظمة إرهابية دولية.