أول العمود:

تكرار إحالات العاملين في التعاونيات إلى النيابة على مدى أكثر من 20 عاماً فيه تشويه لسمعة هذا المرفق الأهلي، وعلى وزارة الشؤون الاجتماعية وضع حلول رقابية مُحكمة لمنع التجاوزات إلى غير رجعة.

Ad

***

دائما ما تُرتبط فكرة الرشوة في مؤسسات الدولة بالدول الفقيرة والمتعثرة اقتصادياً، وهو ربط مغلوط تنفيه الوقائع على الأرض، فوجود الرشوة في الكويت كمثال ودول أخرى غنية بالطبع يؤكد صحة ما نقول.

لكن لماذا تنتشر الرشوة في بلدان غنية، وما أسباب هذه الظاهرة؟

قبل الإجابة نود أن نشير إلى إحصائية نشرتها الأمم المتحدة حول الرشوة على مستوى عالمي، كان ذلك في 2019: قيمة الرشا حول العالم تبلغ تريليون دولار سنويا، وقيمة المبالغ المسروقة عن طريق الفساد تزيد على 2.5 تريليون دولار سنويا، وهذا المبلغ يساوي 5% من الناتج المحلي العالمي، في المقابل يفيد تقرير استقصائي نشرته «نزاهة» في الكويت عام 2021 حول استراتيجية الدولة في مكافحة الفساد إلى أن 92% من الذين أُجري عليهم الاستقصاء يرون أن الرشوة متفاقمة، في حين أكد 26% من أفراد العيّنة أنه طُلب منهم فعلاً دفع رشوة.

هنا في الكويت حيث تتلاحق أخبار الرشا بشكل مستمر في معاملات تخص ملفات الإعاقة، الحصول على الجنسية، معاملات البناء، قطاع التعاونيات، التعامل مع الشركات المقدمة للخدمات للمؤسسات الحكومية وغير ذلك، ولتثبيت بعض الحقائق يجب تأكيد أن السنوات اللاحقة لتحرير البلاد من الغزو العراقي وإلى يومنا هذا لم تُبذل فيها جهود حقيقية للاستفادة من الدراسات العلمية والبحثية التي تم إنجازها من جامعة الكويت ومؤسسات الدولة الاجتماعية حول التغييرات المرتبطة بالسلوك المالي للأفراد، كما أن الكثير من الأنظمة الإدارية والثغرات التشريعية سمحت بالتحايل والتلاعب غير الأخلاقي في مقدرات الدولة، هذا إلى جانب نتائج الفساد السياسي العام الذي يضحي بسمعة الجهاز الإداري للعبور من حدث سياسي ما غالباً ما يكون ضمن معارك البرلمان والحكومة.

في الأربعين عاماً الماضية لم يغب الحديث عن المال العام في يومياتنا، الكل ينادي بالحفاظ عليه، لكن الضرر يصيبه باستمرار من الرشا مع مرض آخر خطير وهو الهدر، وفي حالتنا الكويتية هناك حاجة لبحث انتشار قيم الاستحواذ واقتناص الفرص غير المشروع لسرقة بضعة آلاف من الدنانير بشكل مهين أحياناً، هناك حاجة أيضاً لكشف مدى استيعاب الموظف العام لفكرة الرشوة وتمييزها عن الهدية التي هي فخ في بيئة الأعمال، وكذلك التعرف على قدرة الأنظمة الإلكترونية على ضبط هذا السلوك والجدية في تشريع نظام المتعامل الخفي لكشف الفساد.

الخلاصة أن ضبط مالية الدولة بيدها ذاتها وبيد وأجهزتها لأنها المساحة الأكبر لممارسة هذه الآفة، ووجود تعاون جماعي بين ديوان المحاسبة وهيئة نزاهة وجامعات الدولة كفيل بكشف طرق محاربتها.