اختيار الوزراء من الأمور التي ظلت تخضع للمعايير ذاتها، فمن النادر أن يجتمع بالوزير النضوج السياسي وواجباته والقدرة الإدارية والفنية على تحقيق الأهداف المنشودة من بيئة العمل، ومع ذلك ومما يزيد الطين بلة وجود وزراء من أصحاب الاختصاص دون المستوى المطلوب، مما يجعلنا في حيرة منهم.
سأتجاوز عما عرضه وزير المالية للحالة المالية للدولة والعجوزات التي وصلت إلى أكثر من 33 مليار دينار خلال السنوات العشر الماضية والعجز المتوقع خلال السنوات الأربع القادمة الذي يتجاوز الـ26 مليار دينار، وأن إيرادات الدولة لن تكفي لمشاريع الميزانيات في السنوات القادمة، لكونها معلومات ليست بخافية على أحد.
وإذا ما رجعنا إلى بيانات وزارة المالية خلال الفترة ما بين عام 2002 وعام 2014 فسنجد أنها سجلت وفرات مالية بعشرات المليارات، لتبلغ ذروتها عام 2011 و2012 بفوائض ضخمة، ثم بعد ذلك توالى تسجيل ارتفاعات لعجوزات مالية متتالية إلا من عام أو عامين.
وزارة المالية وبحسب نصوص الدستور مسؤولة عن تقديم الميزانية التقديرية والحساب الختامي ومراقبة أوجه الصرف، إلا أن هذا لا يعفيها من دورها الاستشرافي في وضع التصورات الاقتصادية المناسبة لمعالجة الاختلالات المالية، وإيجاد مصادر دخل إضافية، دون المساس بجيب المواطن أو الاستحقاقات المالية للموظفين.
من صفات ميزانية دولة الكويت أن بند الرواتب يستهلك معظمها، وهو في نمو وسيستمر الوضع على ما هو عليه إذا لم تكن هناك خطة لتنويع مصادر الدخل وإيجاد سياسة جاذبة للشباب الكويتيين للعمل في القطاع الخاص المغلق والمليء بالعراقيل والصعوبات، خصوصاً أمام المبادرين من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
الاقتصاد الكويتي قد يكون الوحيد المتبقي من اقتصادات دول العالم الذي لم يتجاوز مفهوم الاقتصاد الريعي المعتمد على مبيعات النفط، وكأن التوجه إلى آفاق عالم التجارة والصناعة وبقية المشاريع الاقتصادية من الممنوعات، فلو كنت وزير المالية ومهما كانت قدراتي العلمية والمهنية لعملت خلاف ما يفعله وزراء المالية، ولجعلت من الوزارة خلية نحل في استقبال الأفكار الابتكارية والإبداعية، ولعملت ورش عمل للعصف الذهني مع أصحاب الاختصاص لعرض ما لديهم من مقترحات.
كنت أتمنى على وزير المالية عرض الفرص المتاحة والمضمونة للانخراط في القطاع الخاص وبيان حجم الاستثمارات فيه، وما الدور الذي من الممكن أن تقوم الحكومة به في تنشيط القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية والسياحية وعرض مردودها على خزينة الدولة.
كما كنت أتمنى على وزير المالية عرض الفرص الاستثمارية أمام الشباب الكويتيين وتوجيههم إليها بدل استخدام جملة «شغلنا سكاتي»، فالعمل المالي يتطلب منه الشفافية الكاملة ووضوحاً في الرؤية.
الدولة مقبلة على مشاريع تنموية بالمليارات كالمنطقة الحرة وتطوير الجزر والسكة الحديدية والاستثمار بالطاقات المتجددة والواجهة البحرية، وهي فرص واعدة للاستثمار وفرصة ذهبية لتوجيه المبادرين للعمل.
في الختام، لو وضع كل وزير نصب عينيه مستهدفات برنامج عمل وزارته ضمن رؤية الكويت 2035 وبرنامج عمل الحكومة لتغيرت الحال إلى ما نصبو إليه جميعاً.
اعذرني معالي الوزير عن هذه الشقشقة التي هدرت ثم قرت.
ودمتم سالمين.