هل نستطيع القول، وعلى ضوء النتائج النهائية لانتخابات الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان الفرنسي) والتي يُنظر إليها على أنها تاريخية من عدة جوانب، والتي جرت يومي 30 يونيو و7 يوليو من هذا العام، بأنه لم ينجح أحد!

نذكّر بداية أن عدد النواب الفرنسيين في هذا البرلمان، ومنذ آخر تعديلات تمت عام 1986، هو 577 نائبا، وأن الغالبية المطلقة في هذا البرلمان هي 289 مقعدا، وسيتم انتخاب رئيس أو رئيسة هذا البرلمان في 18 يوليو، وكذلك رؤساء ثماني لجان يتم تشكيلها عادة في رحاب هذا البرلمان.

Ad

نعود إلى النتائج النهائية لنسجل بداية بأن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات بلغت 63%، وهي أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات التشريعية الفرنسية منذ عام 1981 حين فاز اليسار الفرنسي في هذه الانتخابات متوجا بذلك انتخاب أول سياسي اشتراكي مخضرم رئيسا للجمهورية في شخص فرانسوا ميتران.

وخالفت نتائج الانتخابات الأخيرة كل التوقعات، فلم يفز اليمين الفرنسي بغالبية المقاعد في البرلمان بل حل ثالثا حيث حصل على 143 مقعدا، في حين أن الجبهة الشعبية الجديدة التي تشكلت بعد نتائج الدورة التشريعية الأولى التي جرت في 30 يونيو، حصدت 182 مقعداً، ليأتي نواب أحزاب الرئيس الفرنسي ماكرون في المرتبة الثانية بمجموع 168 مقعدا.

سيكون من الصعب على الرئيس الفرنسي ماكرون اختيار رئيس للوزراء تبعا لهذه التشكيلية الجديدة للبرلمان، ولن يكون هناك مفر من اللجوء إلى التحالفات على غرار ما جرى في الجارة القريبة ألمانيا ليتم هذا الاختيار، ولكن هل سيفلح عمليا في هذه المهمة، وهل سيجد رئيسا جديدا للوزراء قادراً فعلا على قيادة هذه التحالفات؟

وإذا كنا نرى أنه لم ينجح أحد في هذه الانتخابات التشريعية الأخيرة تبعا لفشل كل الأحزاب في الحصول على الأغلبية المطلوبة في البرلمان الفرنسي بدءا بتجمع رئيس الجمهورية الذي قام بحل هذا البرلمان من دون أن نفهم مبررات هذا الحل، ومرورا بحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، والجبهة الشعبية الوطنية الجديدة التي ضمت أحزاب اليسار والبيئة والوسط، نقول إذا اعتبرناها جميعا بأنها لم تنجح بشكل أو بآخر بحصد أغلبية مقاعد البرلمان وبفرض نفسها بقوة وجدارة على المسرح السياسي والوطني الفرنسي، فلا بد أن نشير إلى ثلاث نقاط مهمة:

أولاها إخفاق اليمين المتطرف بالفوز بغالبية مقاعد البرلمان الفرنسي، وتبدد أحلامه ومشاريعه بتسلم السلطة التنفيذية في فرنسا على غرار ما حدث في إيطاليا مثلا، كما أن هذا الإخفاق قد أثلج صدور الملايين في فرنسا التي كانت تترقب بخوف وحذر ما قد يسنه هذا اليمين المتطرف من تشريعات لن تنصب في غالب الأحيان في مصلحة فئات عديدة من الشعب الفرنسي، وستطول أيضا من يقيم على الأراضي الفرنسية من مقيمين ومهاجرين ولاجئين وبالذات طالبي اللجوء.

والنقطة الثانية: بروز تجمع جديد على المسرح السياسي الفرنسي ممثلا بالجبهة الشعبية الجديدة، علما أن هناك عدة تساؤلات تخص استمرارية التعاون بين الأحزاب التي تضمها هذه الجبهة.

والنقطة الثالثة والأخيرة والأكثر أهمية: لا يراودنا الشك في أن الفائز في هذه الانتخابات التشريعية هو الدستور الفرنسي والمؤسسات الدستورية الفرنسية التي صمدت وتعمل بانتظام ونجاح منذ عام 1958 حين تم اعتماد الدستور الفرنسي الحالي الذي اختاره لفرنسا الجنرال ديغول، مما يؤكد على أن هذا الدستور وتلك المؤسسات هي وراء نجاح واستمرار الجمهورية الخامسة الفرنسية وديمومتها.

* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.