على دروب حكمة تمثيلية هزلية للراحل حسين عبدالرضا، يقول فيها «إذا حجه (تكلم) الشرع الكل يأكل تبن»، تحت ظلال هذا المثل لا يمكن للإنسان المخاطب به أن يعترض، لا يمكنه أن يجادل، لا يمكنه أن يقول اعطوني فرصة، لا يمكنه أن يقول أنا إنسان مهما أردتم أن تصنفوني بأي فئة أكون فيها، هكذا فعلت وزارة الداخلية مؤخراً حين ألغت فجأة الجوازات المؤقتة لفئة البدون، ثم استثنت في قرار آخر «الحالات الإنسانية مثل العلاج والدراسة»، بشرط مراجعة مركز يتبع الوزارة في العدان، الذي يتم التحقيق فيه بسين وجيم بصيغة: اثبت مرضك... اثبت أنك تدرس في الخارج...!
ما هذا...؟ وكيف قررت الوزارة «بضربة» ساحقة أن تعدم جوازات فئة المادة 17، ثم تنبه على شركات الطيران بعدم «نقل وتحميل» هذه السلعة المحرمة واسمها الإنسان البدون...؟! عظيم... إن الوزارة لم تحرم هؤلاء البدون من التنقل سيراً على الأقدام للخروج من البلد.
إذا كانت الوزارة تريد مراجعة أوضاع تلك الجوازات المؤقتة لأي سبب تراه، والأسباب محصورة عادة في سبب «لمزيد من الدراسة»، أي دراسة؟! هم أعلم بها، فليس للبشر المخاطبين بمثل ذلك الخطاب السلطوي أن يعرفوا ماهية هذه الدراسة طالما صدرت من السلطة التي قررت ونفذت... فلماذا لم تعطهم فرصة وتاريخاً محدداً حتى ينهي المخاطبون بهذا القرار أمورهم المعلقة؟
هؤلاء البدون، وبصرف النظر، كيف أصبحوا «بدون»! فهم لم ينزلوا من السماء، هم نتاج أوضاع الدولة التاريخية، فقبل صدور قانون الجنسية 59 كل مَن وُجِد على هذه الأرض يعد قانوناً «بدون» حتى يحصل على «شهادة الجنسية»، تلك الشهادة تثبت هوية صاحبها، وتخوله كل الامتيازات المادية والمعنوية.
وكان هناك بشر يستحقون تلك الشهادة، ولكن رفضوا تصنيفها أو لم يعلموا بخطاب القاعدة القانونية حين شرعت، فالصحارى الجرداء ممتدة عبر شبه الجزيرة العربية والمناطق القريبة منها، ولا تعرف حدوداً مصطنعة إنما ولدت تلك الحدود فيما بعد، وثبتتها السياسة الداخلية والإرادة الأجنبية، وأصبحت واقعاً ممارساً بالاعتراف الدولي به.
نعرف أن هناك من ادّعى المكوث والاستقرار في الأرض الكويتية على غير الحقيقة، بهدف الاستفادة من «بحبوحة» الحياة فيها، كما ندرك في المقابل أن هناك مَن استقر في الأرض وكان يجوب صحاريها، فكافح بها، ودافع عنها، وقدم الشهداء من أسرته وقبيلته من أجل هوية البلد وهوية أهله... إلا أنه «لم يستكمل الأوراق» الثبوتية «التي خلقناها»، فأضحى من «البدون».
الآن الجميع من هذه الفئة يعاملون بمنهج واحد في إلغاء الجوازات المؤقتة، لا فرق بين المستحق للجنسية والجواز وغير المستحق... لماذا هذا التعنت؟ ولماذا لم يتم إعطاؤهم فرصة لإنجاز أمورهم المعلّقة؟ فأبواب الرزق والعمل هنا قد أُغلقت في وجوههم، فراموا يبحثون عن صفقة أو عمل تجاري في الخارج... حجزوا الفنادق ودفعوا قيمة التذاكر... وبنوا أحلامهم البسيطة... ثم دون سابق إنذار قالوا لهم «انثبروا» لا مكان لكم هنا، ولا رزق لكم هناك... لماذا؟