العالم كله، أفراداً منعزلين أو خلقاً مجتمعين، الإنسان أينما كان ينظر إلى الأمام ويتطلع إلى الغد. لا أحد على الإطلاق ينظر إلى الماضي، ناهيك عن أن يتطلع له. ربما لدراسة الماضي، هذا ما قد يجبر البعض على النظر له والتمعّن بعِبَره وتجاربه.

لكن في واقع الأمر، فإن هذا مجرد عبث وترضية للنفس، فلا أحد في الحقيقة يتمنى الرجوع إلى الماضي والعودة إلى العهود ولا حتى السنوات السابقة. فالإنسان - ربما بطبيعته ونشأته - ينظر إلى الأمام، إلى اكتشاف الجديد وإلى العيش في الحاضر، وفي الغالب نسيان الماضي وتجاوزه.

Ad

لكن في كويت العجائب والغرائب، على ما قال أهلنا الطيبون «من بد العالم كله»، نحن نتطلع إلى العودة إلى الخلف، إلى الماضي ونتحسّر عليه.

ولكن العودة إلى ما كنا عليه تبدو بعيدة... فحتى لو قفزنا بمعجزة إلى الأمام، حتى لو حدث ذلك، فإن من الصعب أن نتمكن ونحن بعاهاتنا الحالية، وتخلّفنا العميق وانقسامنا الأعمق، من أن نصل إلى ما وصلنا إليه في عصرنا الذهبي بالسنوات الأولى من السبعينيات.

سنوات... ما بعد الاعتراف الواضح للسلطة بأخطائها في 24 يونيو 1970، واعتذارها غير المباشر عن تزوير انتخابات 1967، ثم دعوتها الشجاعة للقوى الوطنية ولتجار الكويت إلى المشاركة في قيادة العمل السياسي الذي أبعدهم التزوير عنه، لكن بعدها سنوات مرّت عدنا فيها بعيداً إلى الخلف، وعميقاً إلى الحضيض. تضاءلت إمكانياتنا وتنامت معضلاتنا، تقدّم من حولنا وتعاظم من ينافسنا... التطور والتفرد لم يعد كما كان... فقد كنا نعيش في محيط راكد وإقليم سابت، بينما اليوم نحن في عالم متسارع وبين منافسين أشداء.

صعب الرجوع إلى الخلف... الذي هو في الواقع يشكّل تقدماً رهيباً إلى الأمام قياساً إلى وضعنا الحالي... سياسياً واقتصادياً وثقافياً. مع هذا نحن هنا لا نزال نتمنى أن نعود إلى كويت الماضي. كويت الستينيات والسبعينيات... وحتى كويت سنة «الطفحة» وأوائل القرن التاسع عشر... هم قابلين. ونتطلع بشوق ولهفة إلى ذلك، ولكن المؤسف أنه حتى العودة إلى الخلف تخب أو مستحيلة علينا، ولا يبدو أنها ستتحقق.