حالنا هذه الأيام، وصعوبة العودة إلى الخلف أو «قري»، مثلما اقترحنا على الشيخ أحمد العبدالله، يُذكرني بقصة أو حادثة بسيطة حضرتها منذ سنوات بعيدة.

ربما كُنت في السادسة أو السابعة من عُمري. في «سكتنا»، أي سكة الدعيج، طلعت من بيتنا وسرت يساراً، أي إلى داخل السكة، فاليمين يؤدي إلى ساحة السوق. الوقت كان ظهراً، وفي هذا الوقت تكاد السكة تكون خالية من الناس، وكل الدكاكين إما مغلقة بالكامل، أو «ملحفة» بقماش أبيض للإعلان المؤقت عن انتهاء الخدمة.

Ad

بعدما قطعت نصف الطريق أو أكثر التقيت شباباً، أعتقد أنهم كانوا في حدود الخمسة عشر شاباً أو صبياً في ذلك الوقت، أعمارهم بين الخمس عشرة والعشرين سنة حسب ما بدا لي. يعني كانوا «تين ايجرز» بالإنكليزي. كانوا متحلقين حول سيارة بيضاء مكشوفة أو «تنتة»، حسب تعريف ذلك الوقت، وكان يعترض دربهم شرطي. في ذلك الوقت كان لدينا حرس أسواق، وكان لدينا شرطة في الشوارع المهمة للمدينة.

كان الشباب، الذين يبدو أنهم دخلوا السكة من دروازة عبدالرزاق، يجادلون الشرطي بأن يسمح لهم بمواصلة السير، أي أن يخترقوا سكتنا حتى السوق. وكان يتبقى لهم حوالي مئة متر حتى يتموا ذلك.

الشرطي الذي تبيَّن له من السيارة ومن جرأة الشباب أنهم من «عيال الشيوخ» رفض السماح لهم بذلك، مؤدياً واجبه، وأمرهم بأن يعودوا من حيث أتوا، فسكة الدعيج مخصصة للمشاة، وليست شارعاً عاماً تمرُّ فيه السيارات.

الشباب من عيال الشيوخ - حسب ظني وظن الشرطي - رفضوا، لكن بأدب وخضوع، وأخذوا يترجونه بالسماح لهم بمواصلة السير حتى ساحة السوق. وكلما زاد رفض الشرطي زاد تدلّع ورجاء الشباب. أخيراً قالوا: خلاص إحنا آسفين، وبما أنك مصمم، فما الذي تريد أن نفعله؟ فقال لهم طبعاً: «قطوا قري»، ورجعوا. في هذه اللحظة نظر الشباب بعضهم إلى بعض منبهرين أو متحيرين، وقالوا له: عندنا مشكلة، قال: شنهي؟ قالوا: سيارتنا ما ترجع قري!

أنا أدري، مثل الشرطي الذي اضطر بعد الإلحاح والتدلع إلى السماح لهم بالمرور، أن السيارة ترجع قري وأكثر، لكن يبدو بالفعل أنه مثل حالنا هذه الأيام شيوخنا بيقنعونا بأن سيارتهم وسيارتنا ما يرجعون قري.