العبيدي لـ «الجريدة•»: التخصصات الطبية بحاجة إلى مشروع دولة
«كلية الطب المساعد في جامعة الكويت لا تغطي تخصصات فنية كثيرة تحتاج إليها البلاد»
• ما رأيك في واقع دراسة التخصصات الطبية وتوفير الكوادر الوطنية؟
- بداية، علينا أن نتحدث عن التخصصات الطبية التي يحتاجها الجسم الطبي في الكويت، والملاحظ أن هناك قصوراً في تحديد الاحتياجات الفعلية للتخصصات، إذ إن الملاحظ وجود ضعف بالاهتمام بالتخصصات الطبية المساعدة وعدم النظر إلى هذه التخصصات كتخصصات مهمة في العمل الصحي، فنحن نرى اهتماماً أكبر بالأطباء دون غيرهم في المميزات والمسميات والمكافآت والمؤتمرات والتعليم المستمر والجمع بين الوظيفتين الحكومية والأهلية، ولا عزاء للمهن الطبية المساعده الأخرى، فكيف ستكون جاذبة لأبنائنا من دون مبدأي العدل والمساواة؟!
الطب المساعد
• ما تخصصات «الطب المساعد»؟، وما دور خريجيها في الجسم الصحي؟
- خريجو هذه التخصصات هم الممارسون الصحيون المرخص لهم بمزاولة المهن الصحية المساعدة، وهم الاختصاصيون والفنيون الصحيون الحاصلون على درجة البكالوريوس ويعملون ضمن نطاق الفريق الطبي في المجالات الفنية المتعددة، ويقدمون الخدمات الطبية والمشورة بدرجة عالية من التقنية والمهنية والحرفية، وهنا لابُد من الإشارة إلى أن الرعاية الطبية والتأهيلية ليست محدودة فقط في شخص الطبيب، حيث تتطلب جودة الرعاية مشاركة فعالة من أعضاء فريق المهن الطبية المساعدة في التقييم والتشخيص وتقديم العلاج والمشورة، كل حسب تخصصه ودوره بالفريق الطبي الذي يرأسه الطبيب، ويشمل الفريق التخصصات التالية: العلاج الطبيعي، العلاج الوظيفي، علوم الأشعة، علوم المختبرات، علاج النطق والسمع، وتصميم وصناعة الأطراف الصناعية، علاج الجهاز التنفسي، علاج القدم، فسيولوجيا التمارين، وتخصص صحة الفم، ومختبرات الأسنان وغيرها.
• هل الدراسة في تخصصات الطب المساعدة صعبة؟
- نعم، فهي لا تقل في صعوبتها عن الدراسات الطبية، لكن الدراسة فيها تستوجب أن يكون الطالب متميزاً في شخصيته وأسلوب حياته وثقافته العامة وتحصيله العلمي، فالدراسة فيها باللغة الإنكليزية، ويدرس الطالب مواد أساسية في أول السنة، مثل التشريح، والفسيولوجي، وعلم الأمراض، وعلم الأدوية، إلى جانب دراسته للمواد الأساسية الخاصة بكل تخصص، ومواد خاصة بالتقييم والقياسات، ومواد خاصة بالإحصاء وأخرى بالبحث، وعلى مدار 4 سنوات متواصلة، تستمر الدراسة لـ 9 أشهر كل عام، وبعد التخرج، يخوض الطالب سنة تدريب أو سنة الامتياز بأحد المستشفيات الحكومية، ونحن نطالب بزيادة السعة المكانية لكلية العلوم الطبية المساعدة، لتمكينها من زيادة عدد طلابها وأساتذتها وبرامجها، لكي تستطيع تنفيذ رؤيتها الاستراتيجية التي تتضمن إنشاء عدة برامج بكالوريوس تخدم القطاع الطبي، كالجهاز التنفسي ورعاية القدم والنطق والسمع، وفسيولوجيا التمارين الإكلينيكية.
• هل ترى أن كلية الطب المساعد تعمل على سد حاجة سوق العمل؟
- هناك جهود تبذل لإعداد كوادر تسهم بسد النقص، إلا أن التخصصات المتوافرة، إضافة إلى عدد المقاعد المحدود، لا يسهمان في سرعة الاستجابة لحاجة السوق المحلي.
خطة البعثات
• ما رأيك في خطة التعليم العالي للبعثات؟ وما التحديات التي تواجه طلبة الطب المساعد؟
- البعثات المحلية والخارجية من الضرورات لتوفير الكوادر البشرية، بالتأكيد هناك خلل في هذه الخطة، وإلا كيف يتم الابتعاث لتخصص الهندسة الكيميائية والميكانيكية، بعثات للداخل أو الخارج، في حين تشير دراسة ديوان الخدمة إلى عدم الحاجة لهذه التخصصات، كما أن هناك تخصصات أخرى يتم الابتعاث فيها من دون دراسة الاحتياجات لها، لذلك أصبح هناك تكدس بتخصصات الهندسة وطب الأسنان، مع نقص حاد بتخصصات أخرى، لذلك لابد من وجود مشروع دولة قائم على دراسات مستفيضة لوضع هذه الخطط لتوفير التخصصات المطلوبة.
• ما رأيك بقرار وقف دراسة الطب في بعض الجامعات بالأردن ومصر؟
- وقف الابتعاث إلى الجامعات في الأردن ومصر كان مبنياً على زيارات لوفود ميدانية متخصصة ولجان تقيس مخرجات هذه الجامعات، وهذا أمر نؤيده، لكن السؤال، لماذا لم يتم إلغاء هذه الجامعات من قوائم الاعتماد؟ ولماذا لاتزال الوزارة تسمح للدارسين على نفقتهم الخاصة بالالتحاق بها؟ لابُد من تفسير منطقي للقرارات.
نقص التمريض
• هل تعاني الكويت نقصاً بتخصص التمريض؟ وما الحلول في رأيك؟
- نعم نعاني نقص الطواقم التمريضية الوطنية، إذ يوجد بالكويت أكثر من 24 الف ممرض وممرضة، لكن العنصر الوطني قليل ولا يتجاوز 4 بالمئة، وهناك برنامج وطني لتطوير الممرض الكويتي يهدف لابتعاث 80 طالباً وطالبة سنوياً للخارج لتطوير 800 ممرض وممرضة كويتيين خلال 10 سنوات، إضافة إلى أنه يجب وضع حوافز تشجيعية لاستقطاب الطلبة الكويتيين من الذكور والإناث لهذا التخصص الذي يعاني سلبية نظرة المجتمع التي تقلل من مكانة المهنة، وهنا لابدّ من الإشارة إلى أهمية وجود مشروع وطني توعوي بمشاركة جهات عدة مثل وزارتي التربية والإعلام وغيرهما، لتغيير نظرة المجتمع لمهنة التمريض في التلفزيون والإذاعة ومنصات التواصل.
• ما رأيك بعودة التمريض لجامعة الكويت؟ وهل تتوقع له النجاح؟
- لا شك في أن الجهود المبذولة لسد الحاجة في الطاقم التمريضي جهود مشكورة، لكن كان يجب دراسة أسباب عدم نجاح البرنامج بكلية العلوم الطبية في ذلك الوقت، واليوم برنامج التمريض ناجح جداً بكلية العلوم الصحية التي تقدم أيضا درجتَي الدبلوم والبكالوريوس، ووفق علمي فإن برنامج التمريض المزمع إنشاؤه في كلية العلوم الطبية المساعدة يستهدف برامج بكالوريوس متخصصة، ولايزال في طور الإنشاء، إلا أنه يجب أن تكون كل هذه الجهود جاذبة للطلاب ومحفزة، ويجب أن تكون تكاملية مع كلية الصحة في «التطبيقي»، لا أن تكون على أساس التنافس.
• ما التخصصات الطبية المساعدة الأخرى التي تحتاج إليها الكويت؟
- هناك حاجة لزيادة عدد الممرضين، إضافة إلى تخصصات مثل التخدير والإنعاش، وتخطيط المخ والعضلات، والعلاج التنفسي، والتغذية العلاجية، وفسيولوجيا التمارين الرياضية، والمعالجة النفسية الإكلينيكية، والرعاية الطبية الطارئة، والأطراف الصناعية والأجهزة المساعدة، وزراعة الأنسجة وحفظ الأعضاء، والهندسة الوراثية، أو علم الجينات، والهندسة الطبية، وصحة الفم ومختبرات الأسنان، والإحصاء الطبي، وعلوم البصريات، وعلوم المختبرات الجنائية، وعلاج القدم والكاحل، وتكنولوجيا الموجات الصوتية، والصحة العامة والبيئة، كل هذه التخصصات لابد من توفيرها.
• كيف يمكن تطوير المهن الطبية المساعدة؟
- نحن بحاجة إلى برنامج وطني وحملة وطنية تستقطب الشباب نحو المهن الطبية المساعدة التي تحتاجها الدولة، حيث تسهم فيها مؤسسات الدولة المختلفة، لتكون حملة توعية وطنية إبداعية، مع زيارات ميدانية للمدارس لاستهداف واستقطاب الشباب، لأن هذا مشروع دولة وليس مجموعة أفراد أو توجهات.
احتياجات سوق العمل
• هل ترى وجود تناسق في الجهود الحكومية نحو دراسة سوق العمل؟
- لا يبدو أن هناك تنسيقاً أو تفاهماً بين التربية والتعليم العالي والصحة، وكل ما يتم التصريح به من الخدمة المدنية من التخصصات المرغوبة وغير المرغوبة، فقائمة التخصصات المطلوبة وغير المطلوبة في سوق العمل المحلي لسنة 2024، وفق آخر دراسة أجراها الديوان، تظهر بكل أسف وجود عدم تناسق أو تناقضات بين خطة الابتعاث وما يُصرح به الديوان من عدم حاجة الدولة إلى بعض التخصصات، فعلى سبيل المثال خطة البعثات تحتوي على بعض التخصصات التي تم الإعلان عن عدم الحاجة لها، وهذا أمر مستغرب، مثل هندسة البترول والميكانيكا والكيميائية ضمن التخصصات التي لا يحتاجها سوق العمل، فهل تم توجيه الطلبة للابتعاد عن هذه التخصصات وعدم دراستها؟
• ما رأيك في أداء الجامعات الخاصة؟ وهل تؤدي دوراً أكاديمياً جيداً؟
- الكثير من الجامعات الخاصة بالكويت مع الأسف لاتزال تنسخ الكثير من التخصصات التي تدرس بجامعة الكويت، كذلك بعض التخصصات التي لا تحتاجها الدولة، فأين توجيه الدولة لهذه الجامعات؟ وأين التخطيط؟ ولماذا لا تلزمها الدولة بطرح برامج طبية وطبية مساعدة لتوفير الكوادر البشرية مقابل ما تحصل عليه من تسهيلات؟
• ماذا عن بعثات وزارة الصحة؟ وهل يتم الابتعاث بناء على الاحتياج؟
- فتحت وزارة الصحة باب التسجيل للبعثات والإجازات الدراسية لعام 2024 - 2025 للتخصصات الطبية المساندة، لكن المشكلة تكمن فيما يواجهه العائدون من بعثات الوزارة للعمل بعد عودتهم بشهاداتهم العليا، فهم يواجهون التهميش وعدم وجود المسميات الوظيفية المناسبة لما حصلوا عليه من شهادات عليا.
إن خطة البعثات لوزارة الصحة لا تتوافق مع تطلعات ومتطلبات تطوير المهن الطبية المساعدة، ولا توجد استراتيجية للإشراف على المبعوث أو توجيهه نحو هدف أو تخصص تحتاجه الوزارة في مجال العلاج الطبيعي أو غيره من التخصصات، وبالتالي لا توجد استفادة فعلية من حاملي المؤهلات العليا بعد عودتهم الى الكويت، فهو لا يجد بيئة جيدة حتى يطبق ما تعلّمه أو مارسه خلال رحلة الدكتوراه.
مساهمة المستشفيات الخاصة
• هل تعتقد أن مستشفيات القطاع الخاص لديها قدرة على المساهمة في التعليم الطبي؟
- لا يوجد ما يمنع، فكثير من هذه المستشفيات مجهز بأحدث الأجهزة والبروتوكولات العلاجية، كما أن كثيراً من أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت وأطباء وزارة الصحة يعملون لحسابهم الخاص بعض الوقت في هذه المستشفيات، وأعتقد أن هذه المستشفيات تتطلع إلى أن تكون رائدة في التعليم الطبي أيضاً، والمساهمة في البحث العلمي، أنا شخصياً أشرفت على تدريب مجموعة من الطلبة من جامعات أجنبية خارج الكويت، حيث قضوا معي فترة التدريب والإشراف العملي في المستشفيات الخاصة.
• ما رأيك في عدد الأطباء بالكويت؟ وهل هناك حاجة لتوفير المزيد من الكوادر الوطنية؟
- الكويت تحتاج إلى زيادة في عدد الأطباء البشريين بها، ولذلك لا يوجد ما يمنع زيادة أعداد الطلبة المقبولين في كليات العلوم الطبية، فقد كشف تقرير حديث صادر عن وزارة الصحة عام 2021 أن عدد الأطباء البشريين العاملين بالكويت بلغ 13762 طبيباً بشرياً، منهم 9763 بنسبة 41 بالمئة منهم كويتيون، وعدد الأطباء في القطاع الخاص بلغ 3999 طبيباً، منهم 437 طبيباً كويتياً فقط، فيما بلغ عدد أطباء الأسنان 5300 طبيب، وعدد الصيادلة الكويتيين 2725، وعدد الممرضين 24490 ممرضاً وممرضة، منهم 1000 كويتي بنسبة (4 بالمئة).
• ما الذي يواجهه الحاصلون على برنامج الدكتور المهني من معوقات؟
- «الدكتور المهني» تخصص بديل عن بكالوريوس في كل العلوم الطبية المساعدة، فهو دكتور في السمعيات وفي العلاج الطبيعي وفي العلاج الوظيفي وفي أمراض النطق واللغة وفي علوم المختبرات الإكلينيكية وفيزيائي طبي ودكتور في التمريض، وقد اعتمدت الهيئة السعودية للتخصصات الصحية برنامج دكتورعلاج طبيعي Doctor Of Physical Therapy والبرنامج معتمد في مصر والأردن ولبنان، فلماذا لا يعتمد في الكويت؟ ولماذا أتيح لكلية الصيدلة بجامعة الكويت دون غيرها حمل الدرجة دكتور صيدلي؟
مقاعد القبول في كليات الطب قليلة
ذكر العبيدي أن عدد مقاعد القبول المتاحة في الكليات الطبية للعام الدراسي 2024/ 2025 غير مقبولة، حيث اقترحت عمادة القبول والتسجيل 190 مقعدا فقط في كليتَي الطب وطب الأسنان، بواقع 150 مقعدا في الطب، و40 فقط في طب الأسنان وهذه الأرقام المتدنية تتعارض مع ارتفاع أعداد الطلبة والمتفوقين منهم، كما تتعارض مع خطة التنمية، واحتياجات البلاد من الكوادر الطبية الوطنية، فقد تم حرمان الطلبة الحاصلين على معدلات أكثر من 98 بالمئة في الثانوية العامة من القبول في الكليتين، نتيجة سوء التخطيط وعدم زيادة عدد المقاعد المتاحة أمام الطلبة.المستشفى الطبي للجامعة
أكد العبيدي أن جامعة الكويت بحاجة ماسّة إلى مستشفى طبي جامعي، حيث سيكون له إسهام كبير في دعم قدرة الجامعة على زيادة أعداد المقبولين بالتخصصات الطبية، ويتوقع أن يتم الانتهاء من إنجاز التصميم منتصف 2025 والأعمال الإجرائية والإنشائية تحتاج إلى 5 أعوام، متسائلا: لماذا تأخّر التصميم والبناء؟ وأين الأولويات؟ضعف التنسيق بين جهات الدولة
قال العبيدي إن تحويل خريجات كلية التربية جامعة الكويت في تخصصات التربية الإسلامية والتاريخ والجغرافيا وعلم النفس والفلسفة إلى منسقات إداريات يعكس ضعف التنسيق بين «التربية» وكليات إعداد المعلم والمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية وديوان الخدمة المدنية، ويتمثل هذا الضعف في عدم دراسة احتياجات سوق العمل من المعلمين ودور الجامعة.