هل غادرت «الأعطيات» من متردم؟!!
عرف عن الشعراء أمور عدة في الأزمنة الغابرة، ويبدو أن هذا ديدنهم إلى هذا الزمان ووقتنا الحاضر، ومن أبرز تلك الأمور علاقة فحول الشعر مع السلاطين والحكام وكل ذي شأن وبأس على المعمورة أو في أقاصي القفار، ورغم عشقي الشخصي للشعر الجاهلي وشغفي به وعلاقتي الخاصة مع شعراء الجاهلية وشعر الصعاليك، فإن «أبو الفوارس» يحتل لدي مكانة خاصة لا ينازعه عليها أحد فهو من استهل معلقته بالأبيات الشعرية الخالدة على النحو التالي:
هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَـرَدَّمِ
أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ
يَادَارَ عَبْلَـةَ بِالجَوَاءِ تَكَلَّمِي
وَعِمِّي صَبَاحًا دَارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمِي
أين هذا الكلام من شعر هذه الأيام وكلمات لا تعني للقارئ شيئا لا في الشعر ولا في النثر، ولكن عموما انتشرت في الآونة الأخيرة عدة مقابلات مسجلة مع عدد من الشخصيات العامة والناشطة في القضايا المجتمعية، وبالرغم من أن محتوى تلك المقابلات يتطرق عادة للشأن العام فإنها حوت على «شطحات» خارج السياق المذكور، فحواها أن هناك أعطيات على شكل مزارع ومبالغ مالية تدفع لسداد غرامات وخلافه لتلكم الشخصيات في أوقات متفرقة ومناسبات أخرى أيضا.
ولا أخص هنا شخصا ما في مقابلة بعينها، ولكن ذاك الأمر ذُكر في عدد من المواضع واللقاءات المتفرقة على مدى الأسابيع الماضية، وهنا تساءلت شخصياً (متأكداً من أن الأسئلة التالية مرت على ذهن الآخرين أيضاً) وتعجبت واستنكرت أن هذا الأمر وإن كنا نسمع به إلا أنه لم يكن يجاهر به هكذا على العلن مع ذكر الأسماء بالصوت والصورة، ويبقى السؤال الأزلي هنا في ذهن كل مواطن: هل كانت تلك الأعطيات من أموال خاصة أم عامة؟! وهل تلك الحظوة شاملة كل معسر في الشعب أم لا؟! وهل يحاسب القائل على هذا المقال أم تكون المساءلة مدحا مبطنا لشخصية دون الأخرى؟! وإن كان هذا يتم مع النشطاء ممن لا يؤثرون في صناعة أو اتخاذ قرارات مصيرية، فما حال الساسة ممن يوكلون بمصالح العباد في الدولة؟!
لا عجب هنا إن كنا نرى توجيه أصابع الاتهام في السابق للساسة في الدولة إذا ما كانت قراراتهم أو توجهاتهم عكس المنطق أحيانا، ولكن مثل هذه التصرفات والبلبلة دائما ما تثير اللغط، ولعل ذلك متعمد أيضا بحسب ما بدأنا نشاهده يطفو على السطح.
وهنا نستذكر المثل القائل «الخير يخص والشر يعم» وهنا الشر فعلاً يعم في هذه الحالة وعلى الناس كلهم على أرض الكويت مستذكرين كلام الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، حينما أشار في خطابه عن الإضرار بمصالح العباد والبلاد، فيبدو أن مثل ذلك السلوك في السابق كان بسبب ضغوط على أصحاب القرار وشراء للمصالح والولاءات ليس إلا، وكل هذا يتم على حساب مصلحة الوطن والمواطن على حد سواء.
ويبقى السؤال الأهم الآن وهو الموجه للحكومة الحالية دون التحريض على من قال: كيف خرجت تلك الكلمات منهم، وما آلية إصلاح ما أفسده الدهر بسبب تلك المنح والأعطيات؟!!
والنصيحة هنا تكون أن تنأى الحكومة عن الترضيات بأي شكل من الأشكال لتكون ذات موقف صلب قوي يواجه الشارع والمجتمع الدولي بعملها فقط وإنجازاتها.
على الهامش:
بحسب تقرير ديوان المحاسبة المشار إليه في جريدة «الجريدة» بتاريخ 11 يوليو فإن عدد المتعثرين دراسيا في بعثاتهم الخارجية في السنوات الأخيرة في الخارج شارف على 4.500 طالب، وهذا والله ليس تعثراً للمبتعثين بل هو تعثر لسياسات تعليمية لسنوات عدة وتراكمات لقرارات مغلوطة أدت إلى هذه النتيجة، فمن يبتعث هو الطالب ذو المعدل العالي (الحقيقي لا الوهمي) بالتخصص المطلوب وغير المتوافر وليس من أصحاب المعدلات الوهمية ونتاج الغش الجماعي وغيرها من مظاهر سيئة أدت إلى نتائج هذا التقرير، والله المستعان.