تحول اجتماع المجلس البلدي لمدينة طهران إلى مشادة كلامية عنيفة بين أنصار قائد «فيلق القدس» السابق قاسم سليماني وأنصار رئيس بلدية العاصمة الإيرانية والمرشح السابق لانتخابات رئاسة الجمهورية علي رضا زاكاني.

وبدأت المشادة حين قامت نرجس ابنة سليماني، وهي عضوة في المجلس، بانتقاد زاكاني وطلب استيضاحه وإقالته بسبب عدم الكفاءة، ورد عليها الشيخ محمد آقا ميري، وهو من أنصار زاكاني والأصوليين المتطرفين، بأنه «لولا انك ابنة قاسم سليماني لما كنت هنا وحتى أي وقت يجب أن نتحمل المعلقين من رقبة سليماني».

Ad

وأثار حديث ميري حفيظة بعض باقي أعضاء المجلس الذين قاموا بمهاجمته وتحولت جلسة استيضاح زاكاني إلى جلسة مشادة بين أنصار سليماني وفي النهاية اضطر رئيس المجلس البلدي مهدي شمران (أخو مصطفى شمران أول وزير دفاع في إيران ومن مؤسسي الحرس الثوري) بالتدخل، ما أجبر ميري على التراجع عن كلامه وإعلان انه لم يقصد إهانة سليماني.

وعكس اجتماع المجلس البلدي هذا الوضع الذي يعصف حالياً بالأصوليين من انشقاقات وخلافات حيث إن الأصوليين المعتدلين يحاولون التخلص من المتطرفين على اعتبار أن هؤلاء أفشلوا محاولات الأصوليين السيطرة على كل أركان السلطة في البلاد بتطرفهم.

ويجمع كل المحللين إلى جانب الإحصاءات والدراسات التي أجريت بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة في البلاد على أن سبب نجاح الرئيس الجديد مسعود بزشكيان لم يكن الشعبية التي كان يحظى بها الرئيس الإصلاحي بل خوف الشارع من استمرار سيطرة التيار الأصولي المتطرف على السلطة وزيادة الضغط الاجتماعي والسياسي على الناس.

وانتشرت خلال اليومين الأخيرين شائعات تفيد بأن المرشد علي خامنئي وافق على طلب بزشكيان سحب «لائحة العفاف والحجاب» التي كانت حكومة سلفه المتشدد الراحل إبراهيم رئيسي قد تقدمت بها للبرلمان، لكن بعض المنصات الموالية عموماً للأصوليين نفت ذلك.

وأكد مصدر مقرب من الرئيس المنتخب لـ«الجريدة» أن بزشكيان قام ببحث بعض المواضيع التي تشغله بشأن المرحلة الجديدة لتنفيذ إرادة المرشد في إبعاد المتطرفين عن الساحة السياسية، مشيراً إلى أن أحد المواضيع التي طرحها الرئيس المحسوب على التيار الإصلاحي المعتدل هي إصرار نواب التيار الأصولي المتشدد على تمرير مشروع قانون الحجاب رغم رفضه بعد عرضه على التصويت بالبرلمان لما فيه من عوار يتنافى مع الحقوق الدستورية.

وأوضح المصدر أن بزشكيان ناقش القضية الحساسة مع خامنئي على أساس أنه يجب سحب مشروع القانون، الذي فعل بشكل جزئي بالاستناد إلى مادة استثنائية، وتعديله حسب مقتضيات الشارع قبل إعادته إلى البرلمان مجدداً، وهو ما لاقى موافقة مبدئية من المرشد.

وذكر أن بزشكيان حصل على موافقة ضمنية من المرشد لإقرار قانون يتضمن حرية «اللبس المحتشم» مع التشديد على ضرورة أن تركز الحكومة جهودها بالاستثمار في المجالات الثقافية لاقناع الجمهور بمحاسن التقيد بالقوانين والزي الشرعي.

وحسبما أكده المصدر فإن بزشكيان يعمل على تشكيل «حكومة خبراء» من الشخصيات السياسية الوسطية المنتمية للاتجاه الأصولي والإصلاحي كي لا تعتبر منسوبة لاتجاه واحد.

وبين المصدر أن خامنئي أعرب بشكل واضح لبزشكيان عن اعتقاده بأن المرحلة المقبلة بحاجة إلى تجنب ظهور المتطرفين بالحكومة «لكي ينال تأييده».

وعملياً يبدو أن المرشد أصدر أوامره للأجهزة التي تقع تحت إشرافه بدعم الحكومة الجديدة وإقصاء المتطرفين، ما تجلى في بروز موجة هجمات تستهدفهم من شتى الاتجاهات ولربما أكثرها وضوحاً كانت تصريحات محمد رضا باهنر، النائب السابق لمجلس الشورى وأخو آيت الله محمد جواد باهنر ثاني رئيس وزراء في الجمهورية الإسلامية والذي تم اغتياله من منظمة «مجاهدي خلق»، والذي حذر في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي من أن البلاد ليست ملكاً لمليون أو حتى مليونين من المتطرفين ولا يحق لهم ان يفرضوا رأيهم على ثمانين مليون إيراني.

وباهنر المقرب من مكتب المرشد عكس نوعاً ما الرؤية التي تتشكل في مكتب خامنئي مقابل الرؤية التي كان المتطرفون يحاولون تكريسها عبر التصريح العلني بأن البلاد لـ«أنصار حزب الله» ومن لا يعجبه الوضع يمكنه أن يتركها ويرحل.

ويبدو أن المرشد قرر الوقوف إلى جانب الثمانين مليوناً، لا إلى جانب المليون أو المليونين، حسب وصف باهنر.