أعلنت وزارة المالية، الأسبوع قبل الماضي، الميزانية العامة للدولة لسنة 2024/ 2025 وتضمنت عجزاً تقديرياً بلغت قيمته 5.6 مليارات دينار، وقد أظهرت اعتماد الدولة بشكل شبه كلي على مصدر وحيد للدخل هو النفط بنسبة 85.8 في المئة، بينما بلغت الإيرادات غير النفطية ما نسبته 14.2 في المئة من إجمالي الإيرادات العامة.
وخلال السنوات الماضية سعت الحكومات جاهدة لتنويع مصادر دخل ميزانية العامة للدولة، وقد اتخذت عدة خطوات، ولكنها لم تكن جادة نحو العقارات التي تعود ملكيتها لها، ولم تتطرق الى القطاع العقاري الذي يعاني من الفوضى والاختلالات في شتى مجالاته، ويفتقد التطوير ويعمل وفق منظومة قانونية قديمة لا تواكب الحاضر، بل ان البعض يتعامل في القطاع من خلال الاعراف.
تنظيم القطاع العقاري وتعظيم مساهمته في الميزانية العامة ليس الهدف منه فقط زيادة الإيرادات غير النفطية وتحقيق الاستدامة المالية المرجوة، انما لها ابعاد ايجابية عديدة، تنعكس بشكل مباشر وغير مباشر على القطاع العقاري وعلى باقي القطاعات الاستثمارية.
ويعتبر القطاع العقاري المحلي من أكبر القطاعات المتواجدة في البلد، وقد بلغت تداولاته خلال عام 2023 ما قيمته 2.77 مليار دينار، فيما بلغت خلال النصف الأول من العام الحالي 1.61 مليار، فضلا عن الأراضي والعقارات التي تتبع الدولة، حيث إن هناك عددا كبيرا من المشاريع ضمن نظام الـ "B.O.T»، وهي من المفترض ان تشكل جزء كبيرا من الناتج المحلي.
ويمكن للحكومة تحقيق افضل العوائد من القطاع العقاري، بطرق عدة تصب في مصلحة الدولة وميزانيتها، وتنعكس ايجابا على القطاع العقاري، وعلى المواطنين الراغبين في شراء عقارات أو المستثمرين والمستأجرين، وفي نهاية المطاف على المستهلك الذي يعاني من التضخم.
عقارات الدولة
في البداية لابد من وضع آلية للاستفادة من العقارات والأراضي المملوكة للدولة، ومنع الممارسات السلبية التي تساهم في رفع اسعار المنتجات أو الخدمات التي تصل الى المستهلك، ويجب اعادة النظر في تسعيرة تلك العقارات ومنع تأجيرها في الباطن.
وقد قامت الحكومة برفع إيجارات العقارات المملوكة لها، ولكنها لم تستفد منها بالشكل المطلوب، بل ساهمت في رفع معدلات التضخم، إذ إن معظم مستغلي أملاك الدولة يقومون بتأجير مواقعهم أو جزء منها من الباطن بأسعار أعلى من العقود المبرمة بينهم وبين وزارة المالية، وقد يقوم الآخر بذات الخطوة، ويستمر الحال، لتصل في نهاية المطاف الى المستثمر النهائي، وبالتالي يضطر الى رفع منتجاته او خدماته للمستهلك.
ويجب وضع ضوابط وآليات كي تستفيد الدولة بشكل كامل من عوائد تلك العقارات، وبما يراعي المستهلك النهائي، إضافة إلى ذلك يجب التشدد مع من يقومون بتحويل انشطة العقارات المخصصة لغرض ما، لنشاط آخر، وهذا ما حدث مع العديد في المناطق، حيث كانت مخصصة لنشاط ما، ومن ثم تحولت إلى أنشطة تجارية ومقاه ومطاعم.
وهناك العديد من العقارات التي تندرج تحت مظلة قانون الـ «B.O.T» وانتهت مدتها ولم يتم طرحها الى الان، إذ يجب الإسراع في عملية الطرح من خلال مزايدة علنية، لخلق منافسة بين الشركات وتحقيق الاستفادة المرجوة.
ومن جانب آخر، شهد عام 2023 تداول حق انتفاع لعدد 9 قسائم صناعية معظمها بيع، من قبل الشركات المدرجة في بورصة الكويت، بقيمة اجمالية بلغت 24.8 مليون دينار، ورغم أن ملكيتها تعود للدولة، فإنها لم تستفد من ذلك، اذ يجب وضع رسوم على تلك التداولات.
تنظيم القطاع
كما ذكرنا في بداية هذا التقرير ان القطاع العقاري يعاني من عدم التنظيم، إذ لابد من التفكير جليا بأن يبقى تحت مظلة جهة واحدة، حيث انه يرتبط في الوقت بأكثر من جهة، وهذا يعوق عملية اتخاذ القرارات التطويرية، على أن تكون تلك الجهة هي المسؤولة عن مراجعة واتخاذ القرارات المتعلقة بالقطاع بكل اشكاله وتصدر الإحصاءات الدورية التي سيكون لها دور إيجابي في اتخاذ القرار لدى المستثمرين أو المواطنين.
ويجب مراجعة رسوم التسجيل العقاري، فليس من المعقول ان تكون رسوم تحويل العقارات السكنية كغيرها من العقارات الأخرى، مثل الصناعية أو التجارية، وأيضا تسبب انخفاض رسوم التسجيل العقاري في ممارسة العديد من السلبيات على القطاع السكني، حيث تعرض لعمليات مضاربية ساهمت في رفع اسعاره إلى مستويات قياسية، اذ من المفترض ان تكون هناك رسوم تصاعدية على من يمارس ذلك.
إضافة الى ذلك، يجب مراجعة أسعار الكهرباء والماء على كل من يمتلك أكثر من بيت، على أن يقتصر الدعم على البيت الأول فقط، حيث قام العديد من المواطنين بتحويل عقاراتهم السكنية إلى شقق، وهذا سبب ضغطا على الخدمات المقدمة من قبل الدولة، وأيضا خلق عدم توازن في القطاع العقاري، إذ إن وجود القطاع السكني يهدف إلى توفير السكن للمواطن في مناطق نموذجية.
مساهمة متواضعة
وقد سعت دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات الماضية الى تنويع مصادر إيرادات موازناتها العامة، وذلك من خلال تعظيم الإيرادات غير النفطية عن طريق تطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة، وكان على رأسها القطاع العقاري.
مساهمة القطاع العقاري في دول التعاون كانت متواضعة، ولكن مع تطويره واضافة العديد من الخدمات في ظل التكنولوجيا الحالية جعلت منه مساهما رئيسيا في الناتج المحلي لتلك الدول، وتسعى السعودية على سبيل المثال، إلى ان يكون قطاعها العقاري مساهما بنسبة لا تقل عن 10 في المئة في ناتجها المحلي بحلول 2030، فيما بلغ في دبي 12 في المئة خلال العام الماضي، والبحرين بذات النسبة خلال الربع الثالث من العام نفسه.
وأطلقت دول الخليج العديد من البرامج والمنصات التي كان لها الأثر الإيجابي على السوق العقاري وتنظيمه، وأيضا كان لها أثر على الميزانية العامة، ومنها منصات للايجار بمختلف أنواعها، وتحويل العقارات، إضافة الى منتجات عقارية ساهمت في تكوين فرص عديدة للافراد وللمستثمرين، مما أنعش الدورة الاقتصادية.