هل أوضاعنا بالكويت مُرضية؟

الجواب: نعم.

Ad

هل الاحتياجات الأساسية والتكميلية متوافرة؟

الجواب: نعم.

هل ننعم بالأمن والرعاية بكل جوانبهما؟

الجواب: نعم.

إذاً ما هو مصدر التذمر و«التحلطم» وحالة الانزعاج التي يتداولها الناس وفي أوساط النخب؟

إنها وليدة ثقافة سياسية تحولت إلى ثقافة مجتمعية، بشكل مؤسف ومخيف!

فالنمط العام للعمل السياسي في العالم هو بحث مساوئ الطرف الحاكم (ملكاً أو رئيساً أو حزباً)، فإن لم تكن هناك مساوئ وسلبيات، يتم البحث عن صغائر الأمور وتوافهها، بل ونبش ملفات الماضي، ليس لغاية إصلاحية ولا لمصلحة عامة حقيقية أو مُعتبرة، بل لدغدغة مشاعر الجماهير وكسب تأييدهم لأغراض انتخابية، أو لتهييج المشاعر لأغراض سياسية منها تعبئة الناس للانضمام إلى تحركات سياسية آنية أو مبرمجة، مثل الخروج في تظاهرات أو الإضراب أو للتفاعل مع انتخابات قادمة.

ولا يختلف الأمر كثيراً عن ذلك لدينا في الكويت، بل إنه تحوّل إلى ثقافة مجتمعية، لأن محرّكه وأشخاصه وآلياته سياسية!

فقد استمرأ السياسيون عندنا؛ سواء كانوا أعضاء بمجلس الأمة أو ليسوا أعضاء، هذا النهج التعبوي من خلال التذمّر و«التحلطم» وتضخيم إظهار مساوئ الحكومة والمبالغة في إبرازها، من خلال تصريحات نارية، أو أسئلة برلمانية، أو تسريبات مصطنعة، أو رفع سقف مطالبات غير حقيقية وغير واقعية مثل (وعود برفع المرتبات، ومقترحات بتوزيع الهبات، أو مطالبات بمِنح وزيادات، أو منع فرض الضرائب والرسوم، أو فوضى بالتعيينات أو الترقيات، وغيرها).

وصار هذا هو ديدن السياسيين، بل وأعضاء مجلس الأمة ومرشحيه لدينا بتبنّي نهج التذمر و«التحلطم» لدغدغة مشاعر الجماهير ولتهييجهم وتعبئتهم في مواجهة الحكومة، ليتحقق لهم التكسب الانتخابي والجماهيري من خلال هذا النهج الشائن الذي يولّد - في حقيقته - تعبئة سلبية ونظرة تهميشية للحكومة.

وهذه هي الثقافة المجتمعية والسلوك النمطي الذي شاع لدينا، وقد تولّدت عن ذلك حالة حادة ومخيفة من التذمر و«التحلطم» وعدم الرضا، بل والانزعاج من الحكومة، وتحميلها وإلقاء اللوم عليها في أمور ليست واقعية.

نعم لدينا قصور وتقصير في صيانة الشوارع وتحسين مستوى الخدمات، وفي غياب معايير الشفافية والعلانية، وكذلك تكافؤ الفرص والمساواة.

ولكن لدينا أمن لا يُقارن، ودستور وحريات وبحبوحة سياسية، والناس في عيش رغد من حيث أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية والمعيشية، وكذلك لدينا أمان وظيفي وفرص وظيفية مواتية، ولدينا أجور ومرتبات فوق المتوسطة، ونظام تقاعد تحسدنا عليه الدول المجاورة والبعيدة، وكذلك عندنا قانون وقضاء لوقف الظلم والتجاوز ومجابهة التعسف وهدر معايير العدالة والمساواة أو الشفافية.

ولدينا ولدينا قائمة طويلة من النعم لا تنتهي، وتحتاج إلى الرضا والحمد.

ألا قبّح الله النهج والثقافة التذمرية والتعبوية السياسية لأغراض دغدغة المشاعر وتهييج الجماهير.

وهذا لا يعني أنني ضد النقد، فالنقد الرصين والمشروع بالأدلة سلوك محمود ومسؤولية رفيعة القدر لإنهاء السلبيات، ولدعم الإصرار على رفع المستوى المعيشي والخدمي للمواطنين وكفاءة المرافق وخدماتها، حاشا لله أن أرمي إلى ذلك.

لكن، في الوقت نفسه أقف في مواجهة ثقافة التذمر «والتحلطم» ونكران النعم والاستقرار السياسي والأمني والمعيشي الذي ننعم به، والقائم على النقد المتحامل أو المتجني، وهو سلوك مذموم، وهناك نقد لا قيمة له حين تشعر أنه وليد موقف شخصي أو منطلق مصلحي، وهو ما لا نؤيده، حتى لا نصل إلى حالة البطر والكفر بأنعم الله، فيبتلينا الله بتردي الأحوال أمنياً ومعيشياً وسياسياً وهي الحال التي تعانيها العديد من الدول في محيطنا العربي والإسلامي، بل وفي العالم.

وصدق الله عز وجلّ: (وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ).

فهلّا توقفنا عن اعتمار النظارة السوداء والسلبية السلوكية التشاؤمية، لنبدل بذلك تفاؤلاً وإيجابية وإقبالاً ورضا؟!