• درست الفيزياء النووية وعانقت القلم... كيف تفسرين هذا التداخل في مشروعك الإبداعي؟
ــ لا أسميه تداخلاً، ولكني أسميه تجانساً، فهذا في حقيقة الأمر ما أشعر به منذ اخترت دراسة العلوم كمادة تخصص، وبقيت القراءات الأدبية، والثقافية بشكل عام، شغفاً ثابتاً معي، لم يتغير مع الاهتمام بالدراسة الأكاديمية وحتى بالعمل في المؤسسة الطبية لسنوات طويلة، خلالها لم أشعر بتعارض بين هذا الاهتمام أو المسؤولية الوظيفية، وأستطيع القول بثقة أنني سعيدة بالإنجاز العلمي والإبداعي الذي قمت به، وبقي أن أعطي الكتابة الإبداعية وقتا أطول مما وهبتها سابقاً، حتى أضع على الورق كل ما تجمع في مخيلتي من حكايات وشخصيات محكية.
«زعفرانة»
• تعيشين حالياً أجواء الاحتفاء بروايتك «زعفرانة» ماذا عنها؟
ــ صدر لي حديثاً جداً روايتي الأولى «زعفرانة» وبالطبع ككل كاتب أنشغل اليوم بكيفية وصولها إلى القارئ، وكيفية التلقي لها، وخلال الأسابيع الأولى من صدورها، تلقيت عدداً من ردود الفعل التي أسعدتني، وقمت بعمل ندوة لمناقشتها، وسعيدة جداً باحتفاء النقاد والقراء بها.
• خصوصية البيئة الخليجية باتت واضحة في أعمالك خصوصاً مجموعة «أنثى» مثل: «الغترة، والعقال، والقهوة العربية» ما تعليقك؟
ــ نعم، فأنا ابنة هذا المجتمع بكل خصوصيته المتمثلة في ثقافة عامة تمتد على مساحة الخليج العربي، فعندما أسمي مجموعتي «أنثى» فأنا إذن «أنثى» من هذا المكان، يعتريها ما يعتري بنات جلدتها من إشكاليات التحول الاجتماعي في المنطقة، وهذه الإشكاليات شديدة الخصوصية في حقيقة الأمر، فنحن لا نحكي فقط عن الغترة، والعقال، ولكن ما يحمله دماغ الرجل تحت هذا المظهر الاجتماعي الخارجي، وإذا كنت كتبت «أنثى» في تسعينيات القرن الماضي لكن اليوم تحول الكثير من أشكال العلاقة بين الرجل والمرأة.
وأعود إلى تفكير الرجل، أو ما يحكم الرجل الخليجي من أحكام اجتماعية، استطاع في بعضها كسر النمط السائد، وبقي البعض منها على حاله، ودعني أعطيك مثالا بسيطا على هذا، ففي تسعينيات القرن العشرين، لم يكن من الصور المعتادة أن تجد العائلة القطرية في إحدى المولات التجارية، أو أن تجد الرجل، وهو يدفع بعربة الطفل بينما الأم تمشي بجانبه، هذا المشهد صار اليوم من المشاهد العادية جدا، ولم يعد الشاب يخجل من الظهور العام مع أسرته، أو أن يدفع عربة طفله في مكان عام، هناك تغير في سلوك الرجل والمرأة، وهو تغير سلس لم يأت على حساب الصدام مع قوى العادات والتقاليد، ولكنه جاء بكل قناعة لكل أفراد المجتمع، وأما ما يخص اللباس العام، كالغترة والعقال والعباءة النسائية، فما تزال المجتمعات الخليجية تحتفظ بها وتتمسك بها، وهذا نوع من التمسك بالهوية، وذلك ما أشد عليه وأشجعه.الفيزياء النووية
• إلى أي مدى أنت مدينة لتخصصك في «الفيزياء النووية»؟
ــ لست مدينة لتخصصي في الفيزياء النووية بشكل خاص، ولكنني مدينة للدراسة العلمية بشكل عام، نعم أنا مدينة لدراسة العلوم بالتفكير الممنهج والمنظم، وأظن أن هذا ساعدني جداً في الكتابة الإبداعية، ودراسة العلوم في نظري يميزها المنهج والانتظام والتفكير المركز، والخطط المرسومة مسبقاً للوصول من نقطة إلى نقطة، لا أستطيع أن أقول إن الدراسة الأدبية تفتقر إلى هذا، لكنني لمست هذا وعايشته في حياتي العامة، سواء في الجانب الوظيفي، والأكاديمي أو الإبداعي، فكل شيء وجد في الكون له عمل، وله دور محدد يقوم به، لا شيء يأتي اعتباطا في كل الموجودات، ومن هذا أخذت نظريتي في الكتابة الإبداعية، لا شيء يأتي اعتباطا، فنبذت الحشو الكثير في الكتابة، ونفضت عن كتابتي الشخوص، والأحداث التي لا تؤدي إلى شيء ولا تزيد الخط الأساسي قوة ومتانة، وللحقيقة، ألاحظ هذا الحشو والهشاشة كثيراً في كتابات بعض الزميلات والزملاء.
«حين يبوح النخيل»
ــ بوضوح أقول: بالطبع لا، فكتابة السيرة الذاتية عبارة عن اختيارات من مشاهد الحياة، بعضها مؤلم، وبعضها يلفه الفرح، مشاهد وقصص وشخصيات مختارة أثرت حياتي، فأردت أن تكون معي دوماً من خلال الكتابة، البعض منها ذكرته في سطر واحد، والبعض منها كتبته باستفاضة، وهذا لا يدل على أهمية هذا، أو عدم أهمية ذلك، ولكن الإشارة لمن حولي في هذا الكتاب تعني أنني تأثرت كثيراً ببعض المشاهدات الحياتية، وقد أختار لك مشهداً من تلك المشاهد، هو «سيد المصري» الرجل الذي كان يعاني الفشل الكلوي، وكان أول مريض يخضع لعملية زراعة كلى في قطر، عرفت هذا الرجل من خلال عملي في المستشفى، كان يزور قسم الأشعة الذي أعمل به مرات عديدة لمتابعة حالة الكلية الجديدة، عادت له صحته بعد نجاح العملية، وفرح هو ومن حوله بذلك.
سافر الى بلده مصر، وتزوج من شابة في عمر أبنائه، ثم عاد في حالة صحية معتلة جداً، ليكتشف الأطباء أنه قد باع الأدوية غالية الثمن في مصر، ليدفع مهر العروس الجديدة، بينما أم العيال في بيتها القديم، مات سيد الضحوك، والمتفائل جداً بقادم الأيام، أثرت فيّ حكايته فكتبتها، ولا يعني ذلك أنه كان يعني لي أكثر من سواه، لكن حكايته بقيت معي لا تفارقني، لتضع أمامي أسئلة كونية، لم يسألها «سيد المصري» لنفسه، ولم يضيّع الوقت في التفكير والحيرة، بل أقدم على مغامرة تسعده، غير مبالٍ بما يحدث غداً، فالأعمار بيد الله، كما يقول دوماً، مات سيد المصري، فأعدته إلى صفحات من بوح النخيل، لعله كما وضع الأسئلة الكونية أمامي، لعله يضعها أمام من يقرأ سيرتي الذاتية.
• كيف تتغلب المرأة المبدعة على صعوبات اليوميات بحيثياتها التي تعرفين؟
ــ سؤال جميل، ولكن ليس له إجابة واحدة، فكل مبدع أو مبدعة له الأسلوب الخاص في تنظيم الوقت، وهذا هو السر في كل النجاحات وليس فقط في الكتابة الإبداعية، فبالنسبة لي شخصياً، فقد علمتني الدراسة العلمية والتفكير العلمي الممنهج، تنظيم الوقت ورسم الخطط اليومية وتلك الخطط بعيدة المدى، ووضع الأهداف، والعمل عليها بشتى الوسائل حتى نصل إلى ما نصبو إليه، يبقى أمامنا مستجدات الحياة، وهذه تحدث لكل منا، رجلاً كان أو امرأة، وفي كل مراحل الحياة لنا أن نتداخل معها بما يناسب زمنها، وأما اليوميات التي تتحدث عنها، فأعتقد أننا قادرون على إثبات الذات في أي مجال، دون الإخلال بالمسؤوليات المنوطة بنا، وربما يتطلب ذلك تفهماً عاماً من الأطراف الحياتية الأخرى، وبعض العون والمساندة، أقصد بالأطراف الأخرى عناصر العائلة، وأيضاً زملاء العمل، وهذا أيضاً علينا العمل من أجل أن نقنع تلك الأطراف بأهدافنا ونقتنع بأهدافها، ويساعد بعضنا بعضاً في هذا، فتستمر الحياة.