الوضع الكويتي العام حالياً يشعرني وكأنني استيقظت من حلم جميل لا أريد له نهاية، بعد أن أشعرني هذا الحلم وكأنني أنتقل من نار الخوف من المستقبل إلى جنة الاستقرار والسكينة، وأحياناً يشعرني وكأن ممتلكات كويتية ثمينة كانت مسلوبة ردت إلى أصحابها الشرعيين، أو كأن استعماراً كان يجثم على صدور أهل الديرة متحكماً في مصايرهم وإرادتهم، حتى جاء الحق ليزهق الباطل، لأن الوضع بمجمله يشعرك بعودة عمليات التأميم إلى واقعنا المعيش، فالتأميم نقل لملكية كانت بحوزة جهة معينة غير شرعية إلى حوزة جهة أخرى شرعية، وأشهر حوادث التأميم العربية تأميم قناة السويس وشركات نفط وصناعة الحديد والصلب وشركات بتروكيميائية، وغيرها من مشاريع وطنية أرست قواعد السيادة لأصحاب الأرض بعد عمليات التأميم، ليشعر مواطنوها وكأن بلادهم نالت استقلالها للتو، وصارت ذات سيادة، وهناك حكومات عربية أوغلت في مشاريع التأميم فقامت بتأميم صحفها المحلية التي كانت مملوكة لمواطنين بعد أن صار عدد الأجانب في هذه الصحف أكثر من أبناء البلد العاملين فيها.

ما يجري على الساحة الكويتية هذه الأيام من محاولات جادة وحازمة للقضاء على أوكار الفساد والفاسدين يذكرني بعمليات تأميم جرت في دول أخرى لإعادة الأوضاع المعوجة إلى نصابها الصحيح وإعادة الحقوق إلى أهلها، فالذين ارتكبوا جرائم التزوير والتدليس لم تكن أفعالهم من منطلق رغبتهم في الانتماء للكويت وإنما لنهب ثرواتها، فهم أقرب إلى الاستعمار الذي يستغل ثروات الشعوب بكل الطرق غير المشروعة، ولهذا فإن موضوع سحب الجنسية من هذه الفئة يعد ضرباً من ضروب التأميم، والذين خططوا وراء كواليس الخيانة لإقناع الحكومات المتعاقبة بجدوى التجنيس العشوائي، لم يكن الغرض الأساسي منه زيادة أعداد الأطباء والمهندسين والفنيين بين المتخصصين من الكويتيين، وهو ما تحتاجه بلادنا، بقدر ما كان زيادة أعداد أقربائهم ومعارفهم ومن ثم زيادة دعمهم الاجتماعي والسياسي، ومن ثم الاستفادة القصوى مادياً من هذا البلد، فكانت النتيجة أن زاد عدد الأميين بين الكويتيين، بعد أن كانت الأمية تتجه إلى الزوال بفعل الخطط الحكومية السابقة في قطاع التعليم، وأهم بل أسوأ نتائج هذا التجنيس العشوائي أن تشوهت الهوية الكويتية بعد أن أدخلت عليها كلمات ومصطلحات وأسماء وسلوكيات وموروثات لا تمتّ إلى الهوية الكويتية بأي صلة، ولهذا كانت مسألة إيقاف مهزلة التجنيس العشوائي بمنزلة التأميم للهوية الكويتية وعودة كل ما هو كويتي إلى الكويتيين.

Ad

والذين عملوا المستحيل بعد حصولهم على الجنسية الكويتية بالطرق الملتوية وغير المشروعة، للوصول إلى عضوية مجلس الأمة، لم يكن من باب خدمة الكويتيين وتحقيق مطالب الشعب، بقدر ما كان البرلمان بمنزلة قناة لتنفيذ خريطة طريق لفوضى خلاقة لكل المزورين، وكثير من المزدوجين، تكون من نتيجتها تشريع قوانين لا تقيد حرية أهل الديرة فحسب، إنما تقيد تطور ونمو البلد بأكمله أيضاً، ولهذا كان حل مجلس الأمة الأخير نوعاً من أنواع التأميم، الذي أيده كل أبناء الشعب لما فيه من المصلحة العامة الشيء الكثير ولاستعادة الكويت أنفاسها التنموية بعد عقود من التجميد المتعمد.

إن أوضاع الديرة في فترات سابقة كان يبدو للمراقب وكأن هناك أشياء مسروقة من الديرة، أو كأن المال العام الكويتي كان غنيمة مستحقة لهم بسبب غياب الرقابة، وجمود التشريعات، حتى جاء صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، ليؤكد على أنه «سيحارب كل أشكال الفساد في الكويت خلال فترة حكمة، كما تعهد بالحفاظ على التزامات الكويت الإقليمية والدولية».