جسر الفيحا

نشر في 19-07-2024
آخر تحديث 18-07-2024 | 20:10
 فواز يعقوب الكندري

شعورٌ مختلط ما بين الإيمان بوحدانيّة الله وعدله في توزيع الأقدار والأعمار وما بين وجع الفقد وألم الرّحيل الممزوج بنظرة العطف لرجلٍ على هيئة جبلٍ تقدّم به العمر فأصبح المرض يحتلّ جسده بعد أن استعمره الحبّ والوفاء والسّخاء والسّمعة العطرة النّقيّة، انتقل إلى رحمة الله تعالى العم الشّهم مفلح ضاحي الحوّاس البرازي، فـ«إنّا لله وإنّا إليه راجعون».

إذا أردت أن تكتب عن كريم فكُن حريصاً أن تُعطيه ما يستحقّه نُبله وسخاؤه، وستعجز مع «بو بندر»، لم يكُن ليسمح رحمه الله أن تُفسد فضائله بالبوح بها، ولا أظن أن يعذرني أبناؤه لو أفصحت عنها، ولكن من يعرفه يدرك أنّ أيّ حديث عن كرمه ليس سوى فصل صغير من رواية عطاء هذا الرّجل.

واسمحوا لي بشرحٍ مبسّط لرجلٍ لم يمنعه تقدّم العمر آنذاك من أن يتنقّل بين ديوانيّة أحفاده وديوانيّة أبنائه المقابلة لها، ذهاباً وإياباً يتفقّدهم ويسأل عن الغائب منهم هُم وأصدقاؤهم، وهذا يدفعني أن أصف كرم مشاعره التي كانت تتجلّى في طريقة سلامه، وبحكم العمر آنذاك، لم يكن النّظر يسعفه أن يرى بوضوح من بُعد.

تجده رحمه الله متلهفاً لمعرفة القادم عليه، حتّى إن وصلت محلّه، وشبّك يده بيدك مصافحاً متفحصاً ملامحك، ابتسم بطريقة تُشعرك بكميّة شوق وسعادة لرؤيتك وهذا (ليس وصفاً مبالغاً فيه)، بل شعوراً أكتبه في طريق العودة من المقبرة التي اكتظّت بالبشر من كلّ الطّوائف والقبائل، كباراً صغاراً، مرضى وأصحّاء، ولم يكُن هذا لولا أنّك مُلهمٌ بعفويّتك وفزعتك.

إن كانت المناقب في وقتٍ سابقٍ تُدوّن على ورق الشّجر وتُحفظ حتّى لا تموت الفضيلة، فنحنُ اليوم أمام خير عظيم في أنّنا نملك التّدوين في الشّبكات الإلكترونيّة مع وجود الخوارزميات والذّكاء الاصطناعي الذي سيتيح للأجيال أن تقرأ مناقب النّبلاء بمجرّد كتابة اسمهم في محرّك البحث، ولكلّ من يمرّ هُنا أدعوك بلطفٍ وصدقٍ ولين، أن ترفع يدك معي إلى الباري عزّ وجل بأن يرحم العم مفلح برحمته ويسكنه فسيح جنّاته.

إلهي، دون واسع رحمتك، نحنُ البشر لا شيء، دون عطفك فإنّنا سنواجه أهوالاً لا تحتملها أجسادنا، إلهي رجوتك أن تثبّته عند السّؤال، وتنقّيه من الذّنوب والخطايا، وأن تصبّر أهله وأحبابه، وأن تُلهمهم صبراً عظيماً، وأن تجمعنا بمن نُحب في جنّتك، فإن كنّا شهداءك في الأرض يا ربّي، فإنّنا نشهد على نقائه وطيبته ووقفاته وصفائه.

back to top