«الشال»: مشروع علاج «الموازنة» مجرد نوايا
«خفض عجزها يحتاج إلى التدخل الجراحي بعدما تجاوز الوضع مستوى التداوي بالمساحيق»
• الأهداف المعلنة لـ «رؤية 2035» حول الاستدامة وهم... والبلد في الاتجاه المعاكس
قدر التقرير الأسبوعي لشركة الشال العجز المتوقع في المستقبل القريب للموازنة بحدود 26.1 مليار دينار، إذا استمرت السياسات المالية على ما هي عليه، بمجموع عجز 60 ملياراً، مبيناً أن المقترحين اللذين قدمهما وزير المالية لمواجهة هذا الانفلات، ويقضيان بتثبيت سقف الإنفاق العام عند مستواه الحالي 24.5 مليار دينار، وزيادة الإيرادات غير النفطية من 2.7 مليار حالياً، إلى 4 مليارات للسنة المالية 2027-2028، صحيحان لكنهما غير كافيين.
ورأى «الشال» أن هذا المشروع للعلاج «لا يتعدى النوايا ولم يصاحبه برنامج مالي ملزم لنفقات وإيرادات السنوات المالية الثلاث المذكورة»، مؤكداً أن «حصيلته في خفض العجز متواضعة، ولا ترقى إلى مستوى حل جراحي».
المطلوب من «الأعلى للتخطيط» عمل إسقاطات صحيحة على المستقبل
وأشار إلى أن مواقع الهدر والفساد تشمل ما هو أكثر من بدلات الموظفين التي أشار إليها وزير المالية، لاسيما أن «هناك نحو 50 هيئة ومؤسسة ولجنة معظمها عبارة عن أورام لا عمل حقيقياً لها»، معتبراً أن مشروع «صفر بطالة» الذي ينسب إلى رئيس ديوان الخدمة المدنية بداية لتعميق مرحلة اللاتخطيط والسير في مسار معاكس لنوايا الإصلاح.
وأضاف: «واضح من التشخيص الرسمي أن وضع البلد الاقتصادي تجاوز بكثير مرحلة العلاج بالمساحيق والدهانات الخارجية، وأن الأمر بات يتطلب جراحة، فما هو غير مستدام لابد أن يتوقف حالاً ويستأصل»، لافتاً إلى أن «دور المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية يحتاج إلى كثير من الارتقاء بما يجعله يوفر دقة التشخيص ونجاعة الحلول»، لعمل إسقاطات مهنية وعميقة على المستقبل لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي والمالي.
إقرار حكومي بالاتجاه نحو تعميق اختلالات الاقتصاد
وذكر أن «الأعلى للتخطيط» ووزير المالية يقران بعدم تحقيق رؤية 2035 لأي من مستهدفاتها، في إقرار غير مباشر بأن البلاد خطت باتجاه تعميق اختلالات الاقتصاد، معتبراً أن الأهداف المعلنة حول الاستدامة مجرد وهم، لأن تلك السياسات العامة تأخذ البلد إلى مسار معاكس تماماً.
وفي تفاصيل الخبر:
ذكر التقرير الأسبوعي لشركة الشال للاستشارات الاقتصادية أن وزير المالية عرض الأسبوع قبل الفائت لتوصيف لما تحقق من عجز مالي منذ عام 2015 حتى السنة المالية الحالية، ثم قام بعمل إسقاط على العجز المالي المتوقع للسنوات المالية القادمة حتى 2028-2029، وما ذكره بإيجاز هو أن حصيلة الماضي كانت صافي عجز بحدود 33.6 مليار دينار.
وقال «الشال»: «في تقديرنا كان من الممكن أن يصل إلى حدود الـ 40 مليار دينار لولا الحرب الروسية الأوكرانية، ويقدر العجز المتوقع في المستقبل القريب بحدود 26.1 مليارا إن استمرت السياسات المالية على ما هي عليه، أو بمجموع عجز محقق ومتوقع بحدود 60 مليارا».
مواقع الهدر والفساد تشمل ما هو أكثر من بدلات الموظفين
وأضاف: «لمواجهة ذلك الانفلات المالي، يقدم الوزير وفريقه مقترحين، الأول هو تثبيت سقف الإنفاق العام عند مستواه الحالي البالغ 24.5 مليار دينار، وهو مقترح صحيح ويظل غير كافٍ، والثاني هو زيادة الإيرادات غير النفطية من مستوى 2.7 مليار دينار حالياً، إلى 4 مليارات للسنة المالية 2027-2028، وهو أيضاً صحيح في الاتجاه ومتواضع في حجمه أو قيمته».
عجز السنوات المالية
وزاد: «عجز السنوات المالية الـ3 – وليس الـ4 القادمة (2025-2026-2027-2028) هو 18 مليار دينار، بحال استمرار السياسات المالية الحالية، ومقترح العلاج يخفض العجز المحتمل لنحو 11 مليارا، أي يوفر 7 مليارات».
وتابع: «انتقادنا الأول لمشروع العلاج هو أنه لا يتعدى النوايا ولم يصاحبه برنامج مالي ملزم لنفقات وإيرادات السنوات المالية الثلاث المذكورة، وانتقادنا الثاني هو أن حصيلته في خفض العجز متواضعة وقد تؤخر بلوغ نهاية الطريق المسدود سنة مالية أو نحوها، ولا ترقى إلى مستوى حل جراحي، والانتقاد الثالث هو أن تلك النتائج على تواضعها محكومة بمتغيرات سوق النفط بشكل شبه كامل، ولا يد للسلطة المالية في التحكم بها، فقد تهبط أسعار النفط إلى دون المقدر من وزارة المالية».
50 هيئة معظمها أورام دون عمل حقيقي
مشروع «صفر بطالة» يعمق مرحلة اللاتخطيط
وأردف: «ذكر وزير المالية أمرا آخر صحيحا حول التوظيف العشوائي والبدلات غير المستحقة، ما خلق تلك الهوة بين المكافأة والإنتاجية في القطاع العام، ومعها تكدس البطالة المقنعة فيه، وانحسار احتمالات خلق فرص عمل مواطنة خارجة، ما يستحيل معه استدامة ميزان العمالة المواطنة، ولابد من التذكير بأن مواقع الهدر والفساد تشمل ما هو أكثر من بدلات الموظفين، وأن هناك نحو 50 هيئة ومؤسسة ولجنة معظمها عبارة عن أورام لا عمل حقيقي لها».
نوايا الإصلاح المالي
واستدرك الشال: «متزامناً مع نوايا الإصلاح المالي، ينسب إلى رئيس ديوان الخدمة المدنية مشروع صفر بطالة، ما يعني توظيف عشرات الآلاف في القطاع العام تحت شعار خاطئ مفاده أن الكويت انتقلت من مرحلة اللاتخطيط إلى مرحلة التخطيط، والحقيقة هي أنها بدأت تعميق مرحلة اللاتخطيط».
ويذكر وزير المالية أن نسبة الرواتب والأجور في الكويت تبلغ نحو 30% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، مقابل نسبة تتراوح ما بين 7% و13% لدول الخليج الأخرى، أي بمستوى يتراوح ما بين 2.3 ضعف و4.3 ضعف مستوى دول الخليج، ومع مشروع «صفر بطالة»، سوف يزداد انحراف النسبة، أي مسار معاكس لنوايا الإصلاح.
معاكس لنوايا الإصلاح ويناقض مشروع مجلس الوزراء بفرض الانضباط في ساعات العمل
وقال: «يتناقض أيضا مع مشروع مجلس الوزراء بفرض الانضباط بساعات العمل على موظفي القطاع العام، فقبل تضخم أعدادهم، كانوا يفتقدون السعة المكانية، وإن ازداد اكتظاظ مقرات عملهم العاجزة عن استيعاب الموجودين، قد ينحدر مستوى الإنتاجية إلى أكثر من مستواه الضعيف الحالي».
وتابع: «نعتقد بسلامة التشخيص لوضع البلد الاقتصادي والمالي، وواضح من التشخيص الرسمي هذه المرة أن الوضع تجاوز بكثير مرحلة العلاج بالمساحيق والدهانات الخارجية، وأن الأمر بات يتطلب جراحة، فما هو غير مستدام لابد وأن يتوقف حالاً ويستأصل، وهو ما لم نقرأ أو نسمع مؤشرات له في مشروع الإصلاح الحالي، ودور المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية يحتاج إلى كثير من الارتقاء بما يجعله يوفر دقة التشخيص ونجاعة الحلول».
الأهداف المعلنة بشأن رؤية 2035 حول الاستدامة... وهم
«أمانة التخطيط» ووزير المالية يقران باتجاه الكويت نحو تعميق اختلالات الاقتصاد
أفاد تقرير «الشال» بأن التخطيط هو فعل استباقي، هدفه تعظيم النفع واجتناب غير الضروري من الضرر في المستقبل، «ودور المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، كما ذكرنا في تقريرنا الفائت، هو التزام أمانة التشخيص، لكن، الأهم، هو عمل إسقاطات مهنية وعميقة على المستقبل لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي والمالي».
وذكر التقرير أن المجلس، ووزير المالية، يقران بعدم تحقيق رؤية 2035 لأي من مستهدفاتها، والواقع أنهما وإن بطريقة غير مباشرة، يقران بأن الكويت ليست فقط لم تخطُ خطوة صحيحة باتجاه تحقيق تلك المستهدفات، إنما خطت باتجاه تعميق اختلالات الاقتصاد الهيكلية الأربعة، مؤكدا أن على «الأعلى للتخطيط» عمل إسقاطات لتبيان مسارات الاقتصادات المسدودة، واقتراح الجراحات اللازمة لفتحها، «وكان من الممكن أن تكون رؤاه صلب إصلاحات ملتقى الموازنة الأخير.
وأضاف أن من أمثلة أو نماذج تلك المسارات المسدودة انحراف هيكل الإنتاج، فالكويت باتت البلد الوحيد في العالم الذي يولد القطاع العام فيه نحو 70% من اقتصاده، ولا بأس لو كان القطاع العام ينتج سلعاً وخدمات بجودة عالية وبأسعار منافسة وبتكلفة محتملة، لكن، واقعه هو إنتاج سلع وخدمات رديئة وبتكلفة عالية وغير مستدامة.
وأوضح أن كل مسارات التنمية التاريخية في الكويت تعتمد بشكل شبه كلي على خام النفط الذي راوحت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي ما بين نحو 47% و57% في آخر سنتين، وترتفع إلى حدود 60% في المعدل لو حسبنا الصناعات النفطية الأخرى، ذلك يحدث منذ نصف قرن تقريباً رغم تصدر أولوية تنويع مصادر الدخل لكل برامج وخطط الحكومات المتعاقبة.
وذكر أنه من المرجح أن يتعرض النفط في المستقبل لضعف في أسعاره وهو ما أقره وزير المالية وإن توقف عند سعر 75 دولاراً للبرميل، ولكن، مع الضغط إلى الأدنى على مستويات الإنتاج لدعم مستوى الأسعار، وما يصاحبه من ارتفاع متصل لتكلفة إنتاج البرميل التي تضاعفت نحو 7 أضعاف في آخر ربع قرن، هذا إضافة إلى شيخوخة معظم المكامن، مما يمنع الارتقاء بمستوى الإنتاج، وزيادة السكان ومعها زيادة الاستهلاك المحلي على حساب حصة التصدير، كلها تعني أن استدامة مساهمة النفط في تعويم القطاع العام المكلف، إلى تآكل متصل.
وبين أن المالية العامة مثال آخر، وهي المحرك الأساس للنشاط الاقتصادي، ولأن الموازنة العامة مازالت تعتمد بنحو 90% في تمويل نفقاها على إيرادات النفط، ولن يتغير ذلك سوى بشكل طفيف للسنوات المالية الخمس القادمة، إذاً استدامة المالية العامة أيضاً في خطر حقيقي.
وأوضح التقرير أن القطاع العام يوظف 84% من العمالة المواطنة، ومعظم التوظيف اصطناعي أو بطالة مقنعة، مما أدى إلى بلوغ مستوى الإنفاق العام 6 أضعاف مستواه في بداية الألفية الحالية، فالخطر – أي فقدان الاستدامة – يمتد إلى ميزان العمالة المواطنة وحتمية نمو البطالة السافرة.
واعتبر أن التعليم في أسوأ حالاته من حيث المستوى والقيم، ومعه يمتد الخطر إلى كفاءة رأس المال البشري، ولأن التركيبة السكانية في أسوأ حالاتها من حيث الكم والنوعية، ولأن سياسات التوسع الإسكاني الأفقي غير مستدامة ولا تخلق فرص عمل مواطنة لانفصال التعليم عن حاجة سوق العمل، فالسيطرة على معدلات النمو السكاني والتركيبة السكانية مستحيلة، وهو مثال رابع، والضغوط على البنى التحتية والخدمات العامة إلى ازدياد، ما يعني مزيد من الضغوط لزيادة النفقات العامة.
وأكد أن هذه النماذج تجعل من المستحيل تحقيق استدامة الاقتصاد والمالية العامة وسوق العمل المواطن والتركيبة السكانية حال استمرار السياسات في مساراتها الحالية، أو حتى مع نوايا العلاج المتواضعة، والقائمة تطول، ما يعني أن الأهداف المعلنة لرؤية 2035 حول الاستدامة مجرد وهم، لأن تلك السياسات العامة تأخذ البلد إلى مسار معاكس تماماً.
ورأى أن الكويت لا تحتاج إلى عون أو صدقة من أي دولة لكي تأخذ بيدها، ولا عقد مقارنات مع دول أخرى للاقتداء بها، بل تحتاج فقط إلى عمل الاسقاطات الصحيحة على المستقبل في حال استمرار سياساتها الحالية أو المعدلة بتواضع لتكتشف أن استمرارها مستحيل، ثم وضع خطط تصحيح جوهري لمساراتها، ونعتقد أن ذلك هو دور المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية.