أول العمود:

مع كل موسم صيف حارق تتعالى الأصوات حول تخضير الكويت بشكل مدروس، وبما يحقق مردوداً بيئياً جيداً، فالمال متوافر والماء المعالج ثلاثياً موجود، ولكن تنقصنا الهمة.

Ad

أُعلن قبل أيام اكتشاف حقل نفط بحري جديد في الكويت، وكعادتنا بعد الاكتشافات المتكررة غالباً ما يصحبها شعور بالزهو والفرحة، فكما قالت شركة نفط الكويت تجعلنا ضمن قائمة «المنتجين الرائدين في الإقليم»، ولأن الكويت تتشابه مع النرويج في بعض ظروفها كقوة العملة ودخل الفرد والكثافة السكانية والاحتياطي النفطي إلا أن الأخيرة قد حزمت أمرها في عدم الاعتماد على مدخول إنتاج النفط فقط كحالنا في الكويت، وذلك من خلال قصة نجاح رائدة عندهم عنوانها «صندوق الثروة السيادي النرويجي» الأكبر في العالم والذي حقق أرباحاً بلغت 143 مليار دولار في النصف الأول من عام 2023. النفط نعمة، وكل اكتشاف جديد يجب أن يشعرنا بسعادة مضاعفة إذا حقق أماناً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ثابتاً يرتكز على أساس تنويع مصادر الدخل كما هو في النموذج النرويجي، وتخفيف أعباء الميزانية من مرض الاقتصاد الريعي الذي استمر إلى الآن ومنذ ستينيات القرن الماضي.

ومن البدهي القول إن تسعير برميل النفط لا يتحكم فيه المنتج 100% إنما تتشابك في ترقيمه عوامل دولية لا نستطيع مجاراتها، وقد أتت ظروف وحالات وصل فيها سعر البرميل لأرقام متدنية (35 دولاراً في أواخر 2008) لكنها لم تستمر طويلاً لحسن «الحظ»! في المقابل لا يمكن تجاهل مطلب التحول للصناعة في الكويت ودول الخليج عموماً، إذ يجب وقف العراقيل المتكررة للوصول لمرحلة التصنيع، وتحفيز القطاع الخاص ليؤدي دوراً حقيقياً يخفف عن الدولة أعباء لن تستطيع تحملها في ظروف مستقبلية مستغلين الموقع الجغرافي للبلاد.

الاكتشافات النفطية الجديدة مهما تعاظمت لن تُشكل عنصر أمان استراتيجي طالما خضعت للإنفاق العام الذي يتضرر من الهدر والإرضاء الاجتماعي، ولقد نجح النموذج النرويجي في تحويل الأصول النفطية إلى محفظة استثمارية على المدى الطويل لا ينفق منها شيئاً بل يديرها عبر الاستثمار عالميا في معظم المجالات وليس في الأسهم والسندات فقط، وبذلك فهم يستفيدون من عوائد الاستثمار بدلاً من السلوك الشائع المتمثل في إنفاق قيمة الأصول.