الصقر واغتيال ناجي العلي
لسنا ديموقراطية بالمعنى الحقيقي، ولو سألت الأغلبية لما أرادوها بعد فساد البرلمان للحد الذي لا يتساءل أحد الآن عن لجنة تنقيح الدستور! لذلك صار من الضروري بعد تعليق السُّلطة الثانية إعادة الحرية للسُّلطة الرابعة، لتحل الصحافة محل مجلس الأمة، بدءاً من تعديل قانون الجرائم الإلكترونية.
فحسب مؤشر حُرية الصحافة هذا العام، الصادر عن منظمة «مراسلون بلا حدود»، جاءت الصحافة الكويتية الثانية خليجياً، والسادسة عربياً، وبالمرتبة 131 عالمياً، لكننا نعتقد أن الكويت كانت ومازالت الأولى خليجياً بلا منازع، فلا صحافة خليجية تنتقد و«تشرشح» الوزير مثل صحافتنا، والتي مرت بمراحل لا يمكن الحديث عنها دون ذكر اغتيال ناجي العلي، ومحاولة اغتيال أحمد الجارالله، ودون ذكر محمد الصقر ومواجهاته مع السُّلطة والناقلات وعلي الخليفة، وكذلك «القبس» والإيداعات المليونية وفساد الإيرباص واليوروفايتر، وإغلاق صحيفة الوطن، وكثير من القضايا التي لا تجرؤ أي صحيفة خليجية على تناولها.
وبالمناسبة، يُصادف غداً الذكرى السابعة والثلاثون لاغتيال ناجي العلي في وسط لندن حين اخترقت رأسَه رصاصة أدخلته في غيبوبة، ثم أردته قتيلاً بعد 37 يوماً، بعد أن نشرت «القبس» كاريكاتيره عن اتحاد الكُتاب والصحافيين الفلسطينيين الذي انتقد فيه رشيدة مهران، سكرتيرة عرفات والتي كانت على علاقة معه، عشيقته، وكانت عميلة مزدوجة، وعرفات كان «نايم» في العسل!
الكاريكاتير اختاره رئيس التحرير، آنذاك، محمد الصقر من بين ثلاثة آخرين، فلامه البعض على مقتل ناجي، وهو قالها بصراحة: «كان يجب ألا يُنشر»، لكن الحقيقة تبين أن ناجي كان هو المسؤول عن مقتله، لأن الصقر قام بتأمين مكان لحمايته في إدنبرة، لكنه رفض الذهاب، كما تواصل محمد مع أبو إياد، ثاني رجل بحركة فتح، الذي «طمنه» بانتهاء القصة، غير أنه تم لاحقاً اغتيال ناجي العلي من قِبل عميل مزدوج لمنظمة التحرير وللموساد، إسماعيل صوان، وفق تحقيقات سكوتلاند يارد.
وفي معلومات مغايرة، ربما لم تُذكر من قبل ومنقولة عن صوان، أنه كان جالساً بشقته، وشاهد بالتلفاز خبر اغتيال ناجي، وبعدها طرقوا عليه الباب، وأعطوه شنطة أسلحة ليخبئها مُرسلة من شخص آخر يعرفه كجاسوس متمرس، عبدالرحيم مصطفى، فاعتقد صوان أن الاغتيال كان بطلب من عرفات، ولما أراد الهروب إلى تل أبيب اعتقل بمطار هيثرو، واتهم بمقتل ناجي، رغم اعترافه بأنه عميل للموساد، وفتشوا بيته، ووجدوا الأسلحة، فأدرك إسماعيل أن الموساد قد ضحَّى به لتخريب العلاقة بين بريطانيا ومنظمة التحرير.
إن الذي يسمع بهذا التاريخ الأسود يتهم المنظمة بالعمالة والخيانة، غير أن حركة حماس، المتصدرة للساحة الآن، ما هي إلا الوجه الآخر لنفس العملة، بلطجة سياسية، وتنفيذ أحقادهم الشخصية على خصومهم من الصحافيين والشعب الفلسطيني البريء، فجرائم «حماس» استمرت حتى أثناء حرب الإبادة الاسرائيلية، بالتعذيب وقتل واعتقال وتكسير أطراف معارضيها وهم يعيشون بأسوأ مخيمات تهجير ونزوح تفتقر إلى أدنى سبل العيش، كصحافيين وصحافيات كثر، وناشطين مثل أمين عابد، ومواطنين كوسيم أسعد، والأسيرة المحررة بنت الشهيدة وزوجة السجين وأم الشهداء والأسرى، عائشة الكرد، التي ضربتها «حماس» وكسرت رجلها!
إن الشعب الفلسطيني مُحاط بخيانة من الداخل، فمنظمة التحرير باعت القضية في أوسلو، و«حماس» ما زالت تضحي على الهواء مباشرة بغزة ورفح وعشرات الآلاف من الأطفال والنساء على المذبح الإيراني الذي قدَّمته طهران إلى إسرائيل لتدمر ما تبقى من القضية، ولعلها كانت فرصة لنربط هذه الخيوط في ذكرى اغتيال ناجي العلي.
*** إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.