بالرغم من أن مسعود بزشكيان يقدم نفسه كرئيس «إصلاحي» معتدل، يبقى خطابه بشأن السياسة الخارجية باهتاً وإنشائياً، نظراً لعدم خبرته في هذا المجال ومحدودية معرفته بذلك.

مجيء بزشكيان لن يكون في النهاية أهم من محمد خاتمي وحسن روحاني، وهامش الحركة لديه مشروط باعتبارات أخرى تجعل المناورات التي يفكر فيها أو يقدم عليها مشلولة.

Ad

صاحب القرارات العليا في إيران هو المرشد ولا ينازعه عليها أحد، ومن يرسم السياسة الخارجية، كما في الملفات الكبرى، هو «القائد خامنئي»، من هنا كانت الأنظار تتجه إلى من يقف خلف الرئيس بزشكيان في هذا الملف.

خطاب الرئيس الإصلاحي كان مليئاً بالشعارات والدعوة إلى التعاون مع الجيران وبناء منظومة أمنية وهذا مظهر لطيف وجيد، لكنه لا يرقى إلى مستوى التغيير في العلاقات، وإعادة بناء الثقة التي ربما تحتاجها طهران قبل غيرها.

أولى الخطوات التي اتخذها «الرئيس الإصلاحي» كانت في تعزيز وضع محمد جواد ظريف وإعطائه مساحة أكبر باتخاذ القرارات بتعيينه رئيساً «للمجلس الاستراتيجي» وهو الأول من نوعه الذي ستوكل إليه مهمة «صنع السياسات» ذات الصلة بالحكومة وتوجهاتها، وستكون تجربة جديدة من حيث تراتبية المؤسسات ومراكز القوى.

اختيار ظريف لم يأت من فراع، فهذا الدبلوماسي ضليع في علاقاته الأميركية، أطلقوا عليه في طهران عندما كان يتولى رئاسة الوفد الإيراني في الأمم المتحدة، صاحب «عصابة نيويورك» فقد قضى معظم عمره خارج إيران، وكان عمره 17 سنة عندما هاجر إلى أميركا للدراسة ولم يكن أكمل بعد صف الثالث ثانوي.

أطروحة الدكتوراه التي نالها وحصل عليها محمد جواد ظريف كانت حول العقوبات في العلاقات الدولية، وصاحب نظرية الدبلوماسية متعددة الأبعاد وهي الكفيلة بتعديل موازين القوى كما يراها، واندمج مع المجتمع الأميركي وعاش 30 سنة، وهناك تشكلت لديه معرفة جيدة بثقافة الغرب.

ما هو جدير بالملاحظة أن ينسب إلى وزير الخارجية الإيراني بالوكالة «علي باقري كني» قبل شهر تقريباً، كلام في منتهى الوضوح والأهمية حول حقيقة السياسة الخارجية لإيران ومصالحها وعلاقاتها مع أميركا، تنبه إليها الزميل الكاتب فيصل بن سبت في «القبس»، وكان بمنزلة اعتراف بشأن طبيعة الصراع مع واشنطن قال «خلافات أميركا مع إيران ترجع للحصة التي خصصوها لنا، نحن لم نقبل بذلك، ونسعى للحصول على حصتنا في المنطقة»!

ما تريده طهران جاء على لسان اللواء يحيى رحيم صفوي المستشار العسكري للمرشد بقوله: «توسيع العمق الاستراتيجي لإيران، بحيث يزيد إلى 5 آلاف كيلومتر».

هل اختيار محمد جواد ظريف في عهد «الإصلاحي مسعود» جاء متناغماً مع تصريح «باقري كني» بشأن ترتيب المصالح مع أميركا باعتباره من الدبلوماسيين الأكثر مهارة بمد الخيوط والعلاقات مع الإدارات الأميركية المتعاقبة؟ والاستفادة من خبرته لا سيما أنه كان أجرأ من زملائه بكشف مكامن الخلل في سياسات إيران الخارجية وقوله «لم تتصرف إيران بواقعية تجاه مجلس الأمن، كنا نقوم بأعمال ونشاطات تضرنا، فقد ارتكبنا أخطاء وما تعلمته وأمثالي كان ثمنه غالياً»!