واضح أننا منذ عهد الشيخ صباح - الله يرحمه - ونحن نحاول التغلب على عجز الميزانية، أو بشكل أكثر دقة معادلة دخل النفط مع الصرف المتزايد على الخدمات والاستهلاك.
حكوماتنا كلها - ونحن معها - لجأت إلى أسلوب القصقصة أو التقتير أو الترشيد كما هو الإعلان الرسمي، وذلك لخفض النفقات وإبقائها في مستوى الدخل أو دونه، وقامت محاولات بسيطة للتصدي الحقيقي للمشكلة، مثل مشروع «الداوكيمكال» أو تطوير الجزر، لكن بالطبع مجاميع التخلف وطفيليات المجتمع الريعي تصدت لهذه المحاولات وأفشلتها لتناقضها ونشأتها الريعية.
لهذا مازلنا حتى الآن نعيش أزمة زيادة الماء على الطحين. ومع الأسف فإن كل تفكيرنا وجهودنا منصبة على وقف هدر الماء وليس على زيادة الطحين.
التقتير أو الترشيد لم يُجدِ ولن يُجدي ما لم يصاحبه تعويض الهدر وتقديم مداخيل جديدة تعزز الدخل النفطي الحالي، بل إنه في ظل زيادة وتنوع الاستهلاك الذي يتميز به هذا العصر، ومع الزيادة السكانية المتعاظمة للكويت، سواء بالتجنيس أو الإنجاب المفرط، فإن التجويع أو الحرمان من متطلبات أو حتى كماليات العصر يبدو خياراً يائساً، لن يسمن في الحقيقة ولن يغني من جوع.
لابد من إيجاد مصادر بديلة للدخل (أو حسب تعريف مجلس الوزراء الأخير تعظيم الموارد غير النفطية). وليس هناك مفر من تعزيز الدخل النفطي بمداخيل وثروات مرادفة، وليس هناك داعٍ لأن نروح بعيداً، أو نبحث في الآفاق والمساحات البعيدة... بل إن الحلول بيننا وفي أحضاننا، وليس أسهل من ذلك من حلول.
إن مصدر الدخل الجديد (القديم) هو الإنسان الكويتي... المواطن الكويتي... الذي حوّله مجتمع النفط الريعي من داعم ومزود أساسي لميزانية الدولة إلى مستهلك شره، همه ابتلاع دخل النفط وتبديد مداخيله.
قبل النفط... كانت الدولة تعتمد على الإنسان الكويتي الذي يزودها عبر الضرائب والمكوس والرسوم وحتى بالعطايا والتبرعات الاختيارية... يزودها بما يلزم لتغطية التزاماتها بتوفير الخدمات والاحتياجات الوطنية. كل شيء كان على ظهر المواطن الكويتي الذي كان يكدح ويعمل لتوفير ما يلزم الدولة أو المجتمع وقتها من أموال... اليوم المطلوب إيقاظ هذا المارد النائم وتذكيره بمسؤوليته... وليس شد بطنه أو تجويعه كما نحاول كلنا اليوم.